قبل عام تقريبا حاول حسن الترابى، زعيم المؤتمر الشعبى المعارض، الترويج لفكرة أن مسئولين مصريين وجهوا له دعوات متكررة لزيارة القاهرة بعد فترة غياب طويلة، وسعى الترابى إلى عدد من الصحفيين المصريين ممن زاروا الخرطوم فى هذه الفترة لمحاولة تمرير شائعاته عبرهم، لكن الصحفيين فطنوا إلى أن الترابى ينسج لهم قصصا من وحى خياله، ومنها أن مسئولا من السفارة المصرية بالخرطوم زاره فى منزله وعرض عليه عودة الوئام مرة أخرى بينه وبين القاهرة.. ووقتها حاول أحد الصحفيين ممن التقوا الترابى التأكد من روايته، فسأل عنها عددا من المسئولين المصريين المكلفين بالملف السودانى، الذين نفوا جميعا الواقعة من الأساس.
بعد أن فشلت حيلة الترابى فى ترويج شائعته لجأ لطريقة أخرى، وهى الترويج إعلاميا بأن هناك أشخاصا فى النظام المصرى يرفضون التعامل معه وكأن المشكلة فى مصر وليست فيه هو شخصيا، حيث قال الترابى فى أحدى حواراته الصحفية، إن "السلطات المصرية تتحاشى لقائى فى زياراتها للسودان، لأن فى مصر هناك صراع بين النظام والإخوان المسلمين"، مضيفا، "فى كل الأحوال سأقوم قريباً بزيارة مصر فى حالة عدم سد الباب فى وجهى، وهو ما أراه بعيداً، فأنا مطمئن تماماً أننى سألقى كل ترحيب من جميع القوى السياسية والدينية فى مصر".
كل هذه الأمور تؤكد على وجود حالة من عدم الاتزان السياسى تنتاب الترابى كلما ذكر اسم مصر أمامه، رغم أن مصر لم تكن السبب الرئيسى فى طرده من جنة السلطة فى السودان التى وصل إليها ضمن نظام الإنقاذ، وإنما كانت أفعاله هى السبب فى ذلك، بعدما كشف الرئيس البشير فى عام 2000 أن "الزعيم الإسلامى" يجرى اتصالات بضباط فى الجيش والأمن والشرطة السودانية وتحريضهم ضد الحكومة، مما استتبع حل البرلمان، وبالتالى فقدان الترابى عضويته بالبرلمان، وآخر شعرة ممكن أن يتمسك بها فى السلطة.
مرارة الترابى من مصر، غير المبررة، دفعته فى أوقات كثيرة إلى التجنى عليها فى كل مناسبة، محاولا إيهام نفسه بأنه يقتص لثأر شخصى، رغم أن مصر أكبر منه ومن أمثاله، ممن يريدون البحث لهم عن دور بعدما خفتت الأضواء عنهم، ويبدو أن ما يقوله من أمور غير واقعية تلقى صدى لدى البعض ممن لا يعلمون جيدا الدور التخريبى الذى سعى وما زال يسعى إليه الترابى فى السودان، فبالأمس أجرت صحيفة الشرق القطرية حوارا مطولا مع الترابى خصصته بشكل شبه كامل للهجوم على المبادرة المصرية لتجنيب السودان ويلات الاقتتال إذا جاءت نتيجة استفتاء حق الجنوبيين فى تقرير مصيرهم فى اتجاه الانفصال فى دولة مستقلة، فطرحت مصر فكرة "الكونفيدرالية" كحل للأزمة التى تستشعر القاهرة بوادرها من الآن.
لم يجد الترابى سبيلا للهجوم على مصر سوى وصف مقترح الكونفيدرالية بأنه مقترح بلا قيمة، لأنه كما لا توجد فى العالم اليوم علاقات بين دول تسمى بالكونفيدرالية، ولم يقدم الترابى أى تفسير منطقى لهذا الوصف، وهو ما يستدعى للذاكرة فورا أن الترابى الذى يعتبر من أشد المؤيدين لفكرة التخلص من أعباء الجنوب المسيحى- على حد وصفه- سيعمد خلال الفترة المقبلة لتأجيج الموقف فى السودان، واستخدام الإعلام الإقليمى الصديق له فى تأليب السودان على بعضه البعض، ورفض أى فكرة تكون من شأنها الحفاظ على السودان ككيان موحد.
الترابى لديه أفكار أقل ما توصف بأنها مسمومة يجب على السودانيين الانتباه إليها، وعدم الارتكان إليها فى رفض أو قبول أى من المبادرات الإقليمية الصادقة فى تجنيب السودان جحيم الحرب الأهلية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة