محمد حمدى

هل أصولنا إسرائيلية؟

السبت، 13 نوفمبر 2010 12:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى عددها الأسبوعى عرضت صحيفة "اليوم السابع" كتاب المستشار هشام سرايا "حياة بنى إسرائيل فى مصر"، ويستعرض فيه قصة بنى إسرائيل فى مصر منذ أن دخلوها مع نبى الله يوسف، عليه السلام، وعاشوا فى أرض جاسان "بين محافظة الشرقية وقناة السويس"، حتى خرجوا منها مع سيدنا موسى، عليه السلام، فى عهد رمسيس الثانى. ووضعت الصحيفة بعض العناوين المثيرة مثل نفرتيتى من أصول إسرائيلية وبعض الملوك الفراعنة أحفاد بنى إسرائيل.

ولست فى معرض مناقشة ما جاء فى الكتاب، فهذا أمر يتولاه المتخصصون فى التاريخ المصرى القديم، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك الكثير من الجدل حول من هو الفرعون الذى عاصر سيدنا موسى، إذ لم يثبت تاريخيا أن فرعون الخروج هو رمسيس الثانى.

ما يلفت انتباهى أكثر هو هذا الفزع الذى انتاب القراء فى تعليقاتهم من موضوع الكتاب، ومن رصد تاريخ بنى إسرائيل فى مصر، وعلاقتهم بالحضارة المصرية القديمة فى زمن الفراعنة، وكأن رصد تاريخهم فى مصر يعنى سرقة الحضارة المصرية ونسبتها للإسرائيليين، وهو أمر نأخذه بكثير من الحساسية.

لكن حين نتصدى لدراسة أو قراءة التاريخ لا يجب أن نضع فى اعتبارنا صراعات الحاضر، فتاريخ البشرية هو نتاج تداخل الحياة البشرية بين مجموعة من الأقوام والأجناس، ظلت ترتحل من مكان إلى آخر على مدار التاريخ، بحيث إن تاريخ أى بلد فى العالم أصبح خليطا من الإبداع البشرى لمن سكنوا فى أرض معينة لفترات معينة.

ولا يوجد خلاف على أن بنى إسرائيل رحلوا إلى مصر فى فترة من فترات تاريخها، وأقاموا فيها وشاركوا فى حضارتها قبل أن يعبروا البحر منها إلى سيناء، مع نبى الله موسى، حيث عرفوا بالعبرانيين، لكن تاريخ مصر القديم لم يصنع فى هذه الحقبة فقط، فمن يقرأ التاريخ جيدا يعرف أن الهكسوس جاءوا من الشرق ودخلوا إلى مصر وحكموها لفترة من الزمن وتركوا أثرا فى حضارتها، وهو ما فعلته القبائل النوبية التى جاءت من الجنوب، وقبائل ليبية من الغرب، وحتى الإسكندر الأكبر ثم البطالمة الذين حكموا مصر، وعبدوا ألهتها القديمة وصاروا جزءا من التاريخ المصرى القديم.

وحين جاء الإسلام إلى مصر دخلت البلاد قبائل عربية متنوعة، ومتعددة، نقلت حضارتها إلى البلاد، وتشربت ما فيها من حضارات سابقة، وصنع الوافدون والمقيمون حضارة جديدة، ليست ملكا شخصيا لأحد، وإنما لهذه الأرض التى ظلت على مدار التاريخ تستقبل البشر المختلفين تأخذ ما عندهم وتصهره فى بوتقة الحضارة المصرية.

وفى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين عاش فى مصر آلاف الأوروبيين الذين جددوا الحضارة المصرية، وساهموا بشكل كبير فى تجديد العمارة والصناعة والفكر وشتى مناحى الحياة قبل قيام ثورة يوليو 1952.

والخلاصة هى أن الحضارة البشرية لا تولد من فراغ، وإنما من خلاصة خبرات حضارات متعددة، وأقوام مختلفة، لكن عبقرية أى شعب هى فى امتصاص خبرات الآخرين وصهرها فى إطار عام يحافظ على خصوصية الحضارة، ولا يتلون بها، وهذا ما كانت تفعله مصر على مدار التاريخ.. حين كان لها شخصية تحافظ عليها.. ولا تسلم نفسها لأفكار الآخرين دون فرز واختيار وتنقيح.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة