أيوه يا مونشير.. مافيش دايرة تنزلونى فيها غير دى..!!؟ الدايرة دى أرياف.. وأنا مارحتش هناك من أكتر من عشرين سنة.. ماتتزلونى فى منطقة سكنى.. حى راقى وأعرف أتعامل مع الناس اللى متعود عليهم.
يا إكسلانس إحنا بالعافية حصلنالك الدايرة دى.. قريبك النائب عنها اتوفى وهو كان واخدها بوضع اليد بقاله يقرب من خمسين سنة.. ودايرة سكنك النائب عنها بقاله تلاته وعشرين سنة.. ومش مستعد يسيبها.. إحنا مش عايزين مشاكل.. اتوكل على الله.. الدايرة دى مريحة وهتنبسط.
ذهب إلى قصره.. طوال الطريق يفكر.. كيف سيقابل الناس هناك.. آخر مرة ذهب لقريته منذ سنوات طويلة عندما توفى والده.. مكث هناك مضطرا لساعات قليلة.. تدبيسة لا على البال ولا الخاطر..!!
سألته زوجته وهو يبدل ملابسه.. أيوه يا بيبى.. عرفت تغير الدايرة.. معقولة ترسى على دايرة الفلاحين..!! هقول إيه لأصحابى فى النادى..!!
قولى زى ما تقولى.. أنا هعمل إيه.. جلس على الفوتيه أمام السرير.. رجع برأسه للوراء وهو يتذكر والده وقريته.. كان دائما يحاول أن ينساها.. أحس برأسه ثقيلة ومالت به وهو يغمض عينيه.
وجده يسير فى طريق موحل بجانب ترعة صغيرة.. وما أن شاهده أحدهم حتى صاح.. النايب بتاعنا جه يا جدعان.. وجد مئات الناس تجرى نحوه.. فى يد كل منهم ورقة مطوية..!!؟
التفوا حوله يكلموه فى وقت واحد.. يلتفت لهذا.. وينظر لهذا.. ويهز رأسه لهذا.. شقت الصفوف امرأة عجوز وهى تصيح.. بقرتى يا سعادة الباشا.. اللى قابلك أخدها علشان يوظف ابنى.. وقبل أن يرد وجد رجلا يحمله اثنان وهو يصيح الخمس قراريط يا باشا.. النايب اللى قابلك أخدهم علشان ابنى يدخل كلية الشرطة.. قال لنفسه الفيلم ده أنا شفته فين قبل كده..!!؟
أحس بالعرق يتصبب منه.. ضاقت نفسه من كثرة الناس حوله.. أخذ يغوص فى الأرض كأنها رمال متحركة.. حاول الهروب فلم يستطع.. وجد الأرض تبتلعه..!!
استيقظ وهو يحس بغصة فى قلبه.. الموضوع ده مش مريحنى.. حاسس إنى اتورطت.. قالت له نفسه.. اعقل.. بص للفايدة.. حصانة.. البيزنس هيكبر.. وأمورك هتسلك من وسع.
اتصل بابن عمته المحامى بالبلدة.. أيوه يا صادق.. عاوز الليلة اللى عاملينها بكره تسمع.. أخبار العشا إيه..؟؟ مية مية يا سعادة الباشا.. كتروا اللحمة والفتة.. عايز الخمس دبايح يندبحوا قدام الناس.. بكره الصبح يمشوا بيهم من عند الجزار لحد الدوار.
استقل سيارته الشيروكى وانطلق به السائق.. دخل على الدائرى متجها للطريق الزراعى.. توقفت السيارة فى طابور طويل يمتد لعدة كيلو مترات.. فيه إيه يا أسطى فوزى..!!؟ يمكن حادثة يا سعادة البيه..؟؟
تأفف الرجل وأخذ ينفخ.. يامهون.. وفجأة تكشف الأمر فلا حادثة ولا غيره.. إنها نقطة مرور..!! وجد أمناء الشرطة يحتجزون عدة سيارات لورى ويتكلمون مع سائقيها.. هو فيه إيه يافوزى..!!؟ ده موضوع مايسواش يا باشا.. هبقى أفطم سعادتك عليه بعدين.. طيب شد شوية.. أنا صدرى ضاق.
بدأ الطريق الزراعى.. كان الطريق مزدحما.. السيارات الأجرة والميكروباص تتسابق..!! تتراقص شمالا ويمينا..!! بعضهم يتعدى السيارات خارج أسفلت الطريق فيثير عاصفة من الغبار.. انطلق ميكروباص بسرعة كبيرة فأصبح بينه وبين الباشا سنتيمترات قليلة فأصابه بالهلع.
إيه السيرك اللى انته ممشينا فيه ده يا فوزى..!! هو الزراعى كده سعادتك.. قال لنفسه.. إمتى المشوار المهبب ده يخلص.. أنا من زمان مامشيتش فى الطريق ده.. أنا سكتى صحراوى.. الله يلعن دى شوره.. ترك السائق الطريق الرئيسى واتجه يمينا.
فجأة وجد الباشا رأسه تصطدم بسقف السيارة..!!؟ إيه يا فوزى..!!؟ ده مطب فى وسط الطريق الأهالى عاملينه.. الله يخرب بيتك وبيتهم.. فتح يا زفت..!!
أخيرا وصل إلى القرية.. وجد صادق يستقبله ومعه جمع غفير من الأهالى.. وما أن توقفت السيارة حتى ارتفع صوت المزامير والخيل ترقص .. حمدلله على السلامة يا سعادة الباشا.. البلد نورت.
فجأة..علا صوت أحدهم فملأ الأجواء.. أحمد باشا غيره مفيش.. هو النايب عنا يعيش.. أخذ الناس حوله يرددون النداء والباشا يرفع يديه الاثنين معا.. يهزهما.. ويلوح بهم وهو يلتف مبتسما يمينا ويسارا.
جلس فى الدوار والناس تحييه وترحب به.. همس صادق فى أذنه.. كل الأمور تمام.. هنصلى العصر وبعد كده الغدا وبعد المغرب اللقاء مع الأهالى.
لا يعرف كيف مر الوقت.. سرعان ما وجد نفسه متصدرا الصوان فى المساء.. وصادق يجلس على يمينه وبجانبه العمدة.. جلس الأهالى مصطفين فى كراسيهم..علا الهتاف.. كلا وحاشا.. كلا وحاشا.. ما يمثلنا إلا الباشا.
بدأ صادق الكلمة.. ملأ صوت الميكروفون المكان.. ثم تلاه العمدة.. بالأصالة عن نفسى وعن الأهالى.. نبايعك ونعاهدك أمام الله.. بدأ الهتاف يعلو مرة أخرى.. كلا وحاشا.. كلا وحاشا.. ما يمثلنا إلا الباشا.
أخذ الكلمة.. إننى وإن كنت بعيدا عن قريتى بجسدى.. فروحى لم تفارقكم لحظة واحدة.. مستيقظا أو فى أحلامى.. فأنا قطعة من هذه الأرض الطاهرة.
فجأه وقف أحدهم.. عايزين همتك معانا يا سعادة الباشا.. الديون متلتلة على الفلاحين.. الحكومة مديانا الطرشة.. المحاصيل انضربت.. الحالة تعبانة على الآخر.
مال على صادق.. محاصيل إيه وديون إيه..!!؟ رد بصوت هامس.. هبقى أقولك على الموضوع ده بعدين.. وقبل أن يرد أحد بكلمة.. وقف آخر.. السماد تمنه ولع يا باشا.. مش عارفين لا نزرع ولا نقلع.. تمن شكارة البوتاسيوم ربعميت جنيه..!!؟
مال مرة أخرى على صادق.. بوتاسيوم إيه وصوديوم إيه..!!؟ الناس دى ما أكلتش ولا إيه يا صادق..!! ماتحطش فى بالك يا باشا.. من خلف الصفوف وقف رجل عجوز وبصوت جهورى.. يا باشا.. السباخ يا باشا.
هنا وقف العمدة.. الباشا جاى النهارده علشان نرحب بيه.. الحكاوى دى يجى وقتها بعدين.. انفض الاجتماع وسط الهتاف وانطلاق أصوات المزامير ورقص الخيل.
انطلقت السيارة فى طريق العودة.. طوال الطريق وهو سارحا يكلم نفسه.. صحيح يا ولاد اللى عاوز الدح مايقولش...!! أغمض عينيه وسيد قراره يملأ مخيلته وهو جالس يتصدر القاعة.
وجد عضوا ممتلئ الجسم ينام بجانبه وصوت شخيره يملأ القاعة وآخر على يساره يلعب جيمز على الموبايل.. فجأه انطلق صوت يقول الموافق يرفع يده.. وجد الرجل النائم بجانبه يرفع أصبعه وهو مازال نائما.. ثم لكزه بكوعه.. ارفع.... موافقة..!!؟
استسلم لنوم عميق.. وبينما كانت السيارة تتهادى وهى تجتاز قرية على الطريق.. انطلق صوت كاسيت من شادر على جانبها... تمثيلية تمثيلية.. الحب عندك تمثيلية.. تمثيلية.. تمثيلية.. تمثيلية..!!؟؟
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة