محمد الحفناوى يكتب: سامحنى يا صديقى أنا من ضيَّع مستقبلك

الجمعة، 12 نوفمبر 2010 07:53 م
محمد الحفناوى يكتب: سامحنى يا صديقى أنا من ضيَّع مستقبلك مريض فى العناية المركزة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
منذ نعومة أظافرهم وهم فى سن العاشرة أصدقاء حسام وحسن فى نفس المدرسة، وترعرعا فى نفس المنطقة السكنية، كانا ينتظران إجازة الصيف رغم أسرتيهما ميسورتين، إلا أن حسام كان ذا نفس عزيزة يقول لحسن إننى أخجل وأنا آخذ مصروفى من والدى، ففى أثناء الدراسة لا أشعر بهذا الحرج، لكن فى الصيف لابد أن أعمل، فضحك حسن نشتغل؟ نشتغل إيه؟ ومين حايشغلنا؟ رد حسام نبحث عن عمل فى أى مكان فاقتنع حسن وقال هيا بنا، وبالفعل بحثا كثيراً ولم ينجحا، فقال حسن بأقولك إيه يلا نلعب كورة ونكمل بكره أنا تعبت، فقال حسن نذهب إلى هذا الفندق وإن فشلنا نكمل بكره، وبالفعل دخل حسام مبتسماً لأحد الموظفين فى الاستقبال، وقال له بكل أدب ممكن نسأل عن شغل، فضحك الموظف شغل إيه وأنتم أطفال، فأحمر وجه حسام خجلا وهم بالانصراف، لكن هناك من سمع أطراف الحديث من بعيد رجل أناقته لا توصف وفى يده غليون أو بايب، والذى قال بصوت جهورى استنى عندك موجهاً كلامه لحسام وحسن، وبالفعل توقفا ورغم حدة ملامحه ابتسم، وقال لهما أنتم فى مدرسة فردا فى صوت واحد نعم فى الشهادة الابتدائية السنة القادمة، فسأل عايزين تشتغلوا ليه؟ فرد حسام لأننى لا أريد أن أحصل على مصروف من والدى فى الإجازة الصيفية، بل أريد أن أتعود على الاعتماد على نفسى، فضحك الرجل بصوت وكأنه انفجار هز أرجاء الفندق، سعيداً بهما، وبالفعل أمر بأن يعملا فى الهاوس كيبر، أى ترتيب الغرف، وبالفعل بعد أن علمتهما إحدى العاملات كيف يقومان بعملهما قاما به على أكمل وجه.

وتمر الأيام ليصلا إلى المرحلة الجامعية ليدخلا معاً كلية الحقوق، والغريب أنهما فى الثانوية العامة يحصلان على نفس المجموع ويكتبان رغباتهما فى مكتب التنسيق مثل بعضهما، بالفعل إنهما صديقا الطفولة اللذان عندما تراهما تشعر وكأنهما توأم نفس التفكير والطباع والرجولة، لكن الغريب جداً أنهما يعيشان نفس قصة الحب التى يعيشها كل منهما، والأغرب أنها نفس الفتاة، فكل منهما يحكى عن حبه الصامت وتبادل حكايات بينهما عن الحبيبة التى يرفض كل منهم ذكر اسمها للآخر حتى لا يمسان كرامتها وتفتش سيرتها على العامة من شدة الحب.

وبعد التخرج يعملان فى الشئون القانونية فى إحدى شركات البترول، وهكذا القدر جعلهما يتشابكان فى كل شىء ويا لسخرية الظروف حتى الحبيبة واحدة، ويفاجئ حسام صديقه حسن ليقول له إنه اليوم سيتقدم لخطبة داليا جارتهم، فيقف حسن متسمراً فى مكانه وكأنه أحد تماثيل الحضارة الفرعونية، فاغراً فمه، فذهل حسام ماذا حدث؟ ولكن حسن تمالك نفسه وهنأه بحرارة متغاضياً عما يجول بخاطره من حسرة وألم ومعاناة وتمنى له التوفيق وذهب حسام إلى منزله يستعد لأول خطوة فى تحقيق لحلم عمره وذهب حسن متثاقلاً وجلس على المقهى والدموع محتبسة فى عينيه والصدمة جعلته صامتاً فى مكانه جامداً متجمداً لا ينطق.

ويأتى يوم الخطوبة والأصدقاء يحتفون بحسام وحسن يربط له الكرافتة والآخرون يحضرون له المنديل والجوارب ويغنون الأصدقاء ويرقصون فرحاً بصديقهم وحسن يلبسه جاكيت البدلة وينزل فى زفة رائعة وفى قاعة الفندق التى يقام به حفل الخطوبة، الجميع سعداء، وفجأة تنقلب القاعة رأساً على عقب، حيث تدخل قوة من الشرطة مسرعة تتجه إلى العريس، بينما حسن مندفعاً إليهم محاولاً إبعادهم عن صديقه ليدفع أحد الضباط حسن ليسقط على الأرض ويقومون بتفتيش حسام ليجدوا فى جيب الجاكيت الداخلى كيساً صغيراً به 50 جراماً من الهيروين ويتم القبض عليه لتنقلب إلى ليلة حزينة ما أطولها وما أحزنها، فالسعادة لا تدوم.

وفى قاعة المحكمة تطوع حسن بتكليف أكبر المحامين ذوات الوزن الثقيل للدفاع عن حسام، وهو واقفاً بجوار القفص والدموع تتساقط غزيرة من عينيه منهاراً لا يستطيع أن يصلب طوله إلا بصعوبة، وتنتهى المرافعات وفى لحظات عصيبة تمر فيها الثوانى وكأنها سنين عجاف إلى أن يشق السكون عن صوت الحاجب ليقول وكأن كلمته طلقة مدفع.. محكمة.

وينطق القاضى بالحكم بسبع سنوات على حسام لتنفجر القاعة فى المحكمة بالعويل ويسقط حسن فى غيبوبة طويلة مغشياً عليه، وينتهى كل شىء وتمر الأيام وتخطب داليا لأحد رجال الأعمال ليسدل الستار على قصة حب تنتهى بمأساة لأعز صديقين وأرق حبيبة تضطرها الظروف الصعبة للتنازل عن حبيبها لتكون فى صحبة رجل آخر لم يكن فى يوم ما فى حسبانها أن تقابله.

وبعد ثلاث سنوات وحسن قد تبدل حاله فأصبح مدخناً شرهاً وأصبح بلا هندام أو شياكة وازداد نحافة وجحظت عيناه لتراه تشعر أنه قد تخطى سن الخمسين بمراحل، وذلك لأنه فقد أعز أصدقائه، بل شقيقه الذى لم تلده أمه وفقدانه الحبيبة التى لم يستطع أن يصرح لها بمكنون فؤاده وأثناء سيره على الكورنيش هائماً تأتى سيارة طائشة بأقصى سرعتها لتدفع جسده النحيل أكثر من عشرة أمتار.

ووضع فى المستشفى على مشارف الموت ليقول لأخيه نفسى أشوف حسام قبل ما أموت، فذهب أخوه باكياً للطبيب ليستفسر عن حالته، فقال له الطبيب يحتاج إلى معجزة العناية الإلهية، لأنهم لم يستطيعوا إيقاف النزيف الداخلى، فصمم على شقيق حسن أن يفعل شيئاً، فعمل التماساً لوزير الداخلية وأرسل إلى رئاسة الوزراء التماساً لعمل زيارة وخروج لساعة لحسام من السجن ليرى صديقه، لعلها تكون النظرة الأخيرة، وفى اليوم التالى بالفعل سمح لحسام بزيارة حسن فى حراسة مشددة ليزور صديقه باكياً بكل حرارة مكبلاً بالأغلال ويدخل على حسن الذى بكى بنواح وبصعوبة، قال حسام وأمسك بيده وهم بتقبيلها ليقول آخر كلمة له.. سامحنى يا صديقى.. أنا من ضيَّع مستقبلك.. ثم فاضت روحه إلى بارئها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة