يونان مرقص

تطوير وتجديد الفكر الدينى

الإثنين، 01 نوفمبر 2010 06:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تطوير وتجديد الفكر الدينى لا يعنى أبداً التغير فى النصوص الدينية المقدسة ولكن التجديد يكون فى الفكر والفهم والإدراك فى عملية مستمرة، فإن كان النص لا يتغير فإن محاولة التعميق فى معانية ومحاولة فهم أبعاده هو أساس التجديد الذى يؤدى إلى انتعاش المجتمع الذى نعيش فيه فهذا يعمق الجذور الاجتماعية التى هى نسيج الحياة.

إذن فى كل عام يجب أن نفحص جيدا إلى أى مدى تقدمت المؤسسات الدينية وماهى التطورات التى حدثت فى العام السابق وأين نقف الآن فى هذا المجتمع الذى نعيش فيه.

فهناك حقيقة واحدة نصل إليها فى كل العصور وهى بحث الإنسان وعلاقته بالله القدوس الواحد الذى نعبده جميعا فالآن نعيش فى فجوة بين المبادئ الدينية التى تتغذى عليها العقول والقلوب من ناحية، والسلوك العملى وسط المجتمع من ناحية أخرى.. مما يخلق إشكالية أخلاقية واضحة ينتقدنا عليها الذين هم خارج البلاد.. بمعنى آخر إننا من أكثر الشعوب تدينا على مستوى العالم كله بينما يعانى الآن مجتمعنا من اهتزاز واضح فى منظومة القيم الحضارية اللازمة للتقدم.

وهنا لابد أن يكون لنا وقفة لبحث كيفية تقليل هذة الفجوة بين التدين والسلوك العملى فى الحياة الاجتماعية، ونقد ذاتى بكل صراحة مع النفس من أجل العودة لشخصية مصرية متماسكة سلوكها الدينى والمجتمعى متطابقان على أساس من القيم الدينية والإنسانية الراقية.

ومصر المباركة التى باركها الله وبارك شعبها رمز وقدوة دائمة، ووحدتنا الوطنية بنسيجها المتلاحم والمتكامل مضرب الأمثال للعالم كله، وكل فترات مرت بها الأزمة المصرية سواء كانت إسلامية أو مسيحية كان لها رموزها تتفاعل مع الأحداث وتمر الآن بتغيرات جديدة إلى أن وصلنا إلى فترة العولمة.

إذا لابد من وقفة جادة لحل جذور المشاكل الموجودة داخل المجتمع حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث، وإذا نظرنا للوضع الحالى فنجد المؤسسات المجتمعية أصبحت جذرا مفككة تحاصرها المرجعيات الدينية والأحزاب التى تتوهم أنها تمتلك الحقيقة المطلقة.

وأصبحت الشخصية المصرية مشحونة بالأصولية والتزمت حتى النخاع، وذلك بسبب إقحام الدين فى كل نواحى حياتنا ومنها الأفكار الأصولية التى أصابت العقل المصرى بالعقم الفكرى، وسببا آخر وهو بث بعض القنوات الفضائية التى تكرس التعصب والعنف الدينى الذى يخلخل مجتمعا المصرى مما يفيد بعض الدول الحاقدة علينا.

ولكن حينما نريد الإصلاح الاجتماعى لابد من ذوبان الاحتقان الطائفى بتصحيح المفاهيم الخاطئة فى عقول بعض المصريين من خلال الخطاب الدينى والثقافى والإعلامى.

ولكن الإعلام أولا لأنه المسئول الأول فلابد من نغمة جديدة فى الإعلام الحكومى والغير حكومى بتقديم إعلام مستنير يفيد المجتمع بكل طوائفة من تثقيف بقواعد المواطنة وقبول الآخر.

والتثقيف يشمل الطفولة والشباب والنساء والرجال والشيوخ ولابد من تحديث وسائل الإعلام بصفة مستمرة (الإعلام المرئى والمسموع والمكتوب والنشر) لاحتواء الاحتقان الشعبى نحو الآخر والنفوس المشحونة والهوس الدينى.

فالمواطنة العملية على أرض الواقع يلمسها المواطن المصرى أى أن كانت ديانته.. بلا تميز لتحقيق العدالة الكاملة للشعب كله حسب وصية الله فى الأديان.

إذا لابد من ترسيخ ثقافة العدل وكرامة الإنسان والتعايش بين الأديان والمجتمعات، ونشر السلام والمحبة من فوق الأرضية المشتركة، أرضية القيم والمبادئ الإنسانية العليا والاعتراف بقيمة الإنسان ومجموعة حقوقه فى الحرية والعقيدة وممارسة الشعائر الدينية والحياة والعمل والدراسة وغيرها بتشكيل جو من الفكر المشترك يتحدث بلغة إنسانية واحدة ينهج نهجا قيميا مشتركا ويقر مبادئ عامة لا خلاف حولها.

ومن شأن هذا الجو الفكرى المشترك تتغير وجهة الحوار فلا تعود استعلاء على الآخر وإنما نصبح وجهة الحوار تفكيرا مع الآخر ما تكمل بة صورته الإنسانية وعلى الحوار المثمر مع الآخر أن يتجنب العقائد والمذاهب ( لكم دينكم، ولى ديني، ولكم مالنا من حقوق وعلينا ماعليكم من واجبات نحو الله والوطن).

لأننا فى الأول والآخر أولاد آدم وحواء وأولاد إبراهيم وكلنا نعبد الله الواحد القدوس الذى خلق السماء والأرض وكل شئ ما فى وما على الأرض.

أما العبادات فهى سلوكيات أو شعائر نسلك بها إلى الله لكى نلتقى الإيمان والسماحة والعيش الواحد فى الوطن الغالى، وبعين الله الواحد الذى لا شريك له والذى نقف جميعا بين يده خاشعين، فالكل يصلى والكل يصوم والكل يذهب إلى دور عبادته وتختلف أشكال العبادة والصلاة وطرقها وطبائع الصوم وقواعده والحج ومقدساته ولكنها جميعا سبل ووسائل للتقرب إلى الله على نحو ما يتصوره كل دين، كما جاء فى الشريعة الإسلامية (إذا جاءكم أهل الذمة فأحكموا بينهم بما يدينون) حسب شريعتهم وديانتهم.

فلابد من التسامح الدينى الذى انحسر فى هذا المجتمع وأخلى الطريق إلى التعصب والعنف والذى نتج إلى احتقان طائفى بين أبناء هذا الوطن بمختلف طوائفه.

ونحن الآن نعيش فى ظل ورعاية وبركة وحكمة أكبر القيادتين الدينيتين الإسلامية والمسيحية المتعاهدتين أمام الله على نصرة المظلوم وكبح الظالمين، فنحن جميعا أبناء هذا الوادى المقدس من بابل إلى فلسطين مثلما نعتز ببلادنا العزيزة مصر ونعتز بعروبتنا وساميتنا، فإننا أكثر اعتزازا بإيماننا بالله الواحد القدوس ونفتخر بأن أرضنا المباركة مهبط الأنبياء والرسل والأديان والتوحيد والحضارات والعلم والثقافة.

فأرجو أن نوفق إلى ذلك بتجديد أذهاننا وتطوير أفكارنا، الذى دعاَ به السيد رئيس الجمهورية وقال لابد من تجديد الخطاب الدينى لترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية فى عقول أبناء هذا الوطن الواحد وكيفية التعامل والتعايش مع الآخر، (الدين لله والوطن للجميع) وكلنا مصريون.

* كاتب قبطى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة