التفكير والذكاء والإبداع مفاتيح النجاح والتفوق، لكن تتداخل دلالاتها وتختلط على الكثيرين ملامح كل مفردة منها، فالذكاء وحده لا يكفى لنجاح الإنسان، وليس بالضرورة أن الإنسان الذكى مفكر جيد.
فهل فكرنا يوماً كيف نحن نفكر؟ وهل تعلم الواحد فينا كيف يفكر؟ أو اجتهدنا فى تعليم أبنائنا مهارات التفكير؟، إن الكثير منا قد لا ينتبه إلى أهمية التفكير، وقد لا يلقى بالموضوعات التفكير أو يأل جهدا فى تعلم أبجدياته.
قد يرى كثير من الناس أن الحياة كفيلة بتعليم أبنائنا كيف يفكرون، وأن التعليم بجميع مجالاته هو من اختصاص المدارس كما يعتقدون، فإن مهارات التفكير يتم تعليمها لأولادنا فى المدارس وأنها أى المدارس هى المكان الصحيح لتعليم التفكير، فى حين يعتقد البعض أيضا أن مهارات التفكير لا يمكن تعليمها بشكل مباشر، وأن تعلم التفكير يتأتى للواحد فينا من خلال تجاربه وخبراته.
إن نعمة التفكير أهم ما يميز الإنسان على سائر المخلوقات، وهبة العقل للإنسان ذكرنا الله بها مراراً وتكراراً فى كتابه الكريم، داعياً فيها البشر لإعمال هذا العقل فى التفكر والتفكير فى عمارة الدنيا والفوز بالآخرة، فالعقل موطن الفكر والتفكير وهو مناط التكليف، وهو مفتاح النجاح فى الدنيا والآخرة.
إن التفكير لا يعنى الذكاء، والذكاء وحده لا يكفل النجاح، والممارسة وحدها لا تكفى، وخبرات الشخص وتجاربه قد لا تسعفة، فالحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها، فمثلا إن الموظف الذى يطبع على الكمبيوتر عددا من الساعات يوميا مستخدما اثنين من أصابعه، فلو ضاعف عدد ساعات الطباعة فسيبقى يطبع بإصبعين، ومهما حاول زيادة سرعته من خلال التدريب والممارسة فإنه لن يستطيع اللحاق بمن يطبعون بطريقة اللمس مستخدمين أصابعهم العشرة.
والخلط كبير بين المعلومات والتفكير، فالمعلومات هامة ويسهل تعليمها واختبارها، ولهذا السبب نجد معظم نظم التعليم فى بلادنا تركز عليها، وليس التفكير بديلا عن المعلومات بل هما متكاملان متلازمان، قد نستطيع فى بعض المجالات أن نحصل على معلومات كاملة وفى هذه المجالات يصبح العمل شيئا سهلا روتينيا، ولو حصلت على معلومات وافية عن أى عمل فإننا نحتاج إلى التفكير لنستكمل دور المعلومات الناقصة، كما أننا نحتاج عادة إلى التفكير لنغربل الكم الهائل من المعلومات لنختار ونقرر، وعندما نتعامل مع المستقبل فإننا أيضا نحتاج إلى التفكير، لأنه من المستحيل أن تتوفر لنا معلومات كاملة عن المستقبل، ولهذا فان المعلومات وحدها لا تكفى.
وتستغرب هنا من أنظمتنا التعليمية فى تشبثها بأدنى مستويات التفكير حسب هرم (بلوم) أى مستوى الحفظ والاستذكار، فى حين لا تكاد تجد اهتماما وعناية بمستويات التفكير العليا كالتحليل والتركيب والتقويم والتفكير الإبداعى الذى يقود إلى الإبداع، والذى به أى الإبداع قامت الحضارات وتسيدت عالمنا حضارة الغرب به اليوم.
إن الخلط بين الذكاء والتفكير وتداخل المفهومين فى بعضهما البعض، أدى إلى نتيجتين مؤسفتين، أولهما أن الطلاب الأذكياء لا يحتاجون إلى مساعدة أو إلى تعلم مهارات التفكير فهم أذكياء، وثانيهما أن الطلاب غير الأذكياء لن تنفع معهم المساعدة فى تعلم مهارات التفكير لأنهم يوصفون عادة بالغباء.
إن العلاقة بين الذكاء والتفكير تشبه العلاقة بين السيارة وسائقها، فالسيارة القوية يمكن أن تنقاد بطريقة سيئة والسيارة العادية يمكن أن تنقاد بطريقة فعالة، فقوة السيارات هى الإمكانات، تماما مثلما هو الذكاء بالنسبة للعقل، فقد يكون الذكاء موجودا، وما لم يستخدم بمهارة فهو وعدمه سيان، فالتفكير هو مهارة التشغيل والعمل التى يتفاعل فى بوتقتها كل من الذكاء والخبرة.
إن التدليل على أهمية تعليم التفكير وسرد الأدلة الدينية والدنيوية تعجز مقالة كهذه تضمينها وحصرها، والأدلة على أهمية التفكير وشواهد الدين والدنيا فى الحث عليه موجودة بين أيدينا وأمام ناظرينا، لكن المهم هو الانتباه إلى هذه الأهمية والعزم على امتلاك مفاتيح الإرادة والوعى نحوها، فالتفكير مهارة يومية أساسية ونستخدمها فى كل الأوقات، والسؤال هنا كيف نعلم أبناءنا التفكير وكيف نستطيع أن نحيل التفكير إلى هواية ورياضة لأبنائنا، فالتفكير الخلّاق واللعب وجهان لعملة واحدة.
إن المشاهدة أو القراءة عن التنس لا يمكن أن تجعلك لاعب تنس وكذلك التفكير، إذ لا بد من التدريب على التفكير ولا بد من ممارسة وتعليم مهارات التفكير لأبنائنا كى يصبحوا أطفالا مفكرين، وهنا تظهر أندية التفكير واستراتيجيات التفكير الإبداعى بأنواعه المختلفة كالقبعات الست والعصف الذهنى، ولعبة الأدوار والبدائل والاحتمالات واعتبار جميع العوامل وغيرها كثير من ألعاب وتدريبات التفكير التى تمكن أبناءنا من ممارسة وإتقان مهارة التفكير، لكن السؤال من يهتم أو ينشأ أندية أو يشرف على تدريبات، وهل تأخذ مدارسنا على عاتقها التفكير وتعليمه، وهل الأمر لحكوماتنا، أو لمؤسسات المجتمع المدنى أم هو مسئولية الأسرة بالأساس، إن الأمر أكبر من مرسوم حكومى أو اجتهاد مؤسسة أو حرص أمهات وآباء، إنها مسئولية الجميع نحو نهضة فكرية فى التفكير وعودة إلى حضارة أمتنا التى أطلقت عنان العقول وزرعت التفكير حقول.
