د.طارق النجومى يكتب: جدر البطاطا دق أعناق الرجال

الأربعاء، 06 أكتوبر 2010 12:11 ص
د.طارق النجومى يكتب: جدر البطاطا دق أعناق الرجال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شرد ذهنه بعيدا وهو بين أبنائه وزوجته يشاهد التلفاز.. تذكر زميله فى العمل وهو يهمس فى أذنه بعد أن رآه حزينا وعرف أزمته.. فتح مخك يا أبو حسين.. أنت أمين مخازن أد الدنيا ولو عايز تاكل الشهد السكة سالكة.. بس أنت قول طيب وترتيب الموضوع اللى مايخرش المية مترتب وجاهز.. أنت قربت تطلع على المعاش وهتطلع من المولد بلا حمص.

تذكر خطيب ابنته وهو يحثه على الانتهاء من تجهيزات الزواج الذى تأجل المرة تلو الأخرى.. تذكر نظرات ابنته إليه بعيون حزينة منكسرة.. تذكر زوجته التى باعت آخر قطعة ذهبية كانت ما تزال تقتنيها وكلماتها له كل يوم قبل أن ينام.. هتتصرف ازاى يا أبو حسين فى الموضوع ده..؟؟ تذكر ولده حسين وهو يقول له إن مظهره فى الجامعة متواضع بالنسبة لزملائه وإنه يحتاج لمبلغ من المال لشراء ملابس وبعض الكتب.

تنبه إلى نفسه.. فيلم إيه ده يا ولاد.. ده فيلم الحرام يا بابا.. أيوه أنا شفته قبل كده.. نظر.. رأى عزيزة وهى ترقد على الأرض فى حالة إعياء وقد تكورت على نفسها كأنها طفل يحتمى بصدر أمه.. وجهها شاحب والرعشة تمسك بجسدها.. فجأة تقوم تجرى كالمجنونة وتذهب إلى المكان الذى وضعت فيه مولودها وقتلته حتى لا ينفضح أمرها.. تضرب صدرها بكفيها وتلطم خدودها.. تمزق ملابسها ووجهها بأظافرها وهى تقول جدر البطاطا كان السبب يا ضنايا.. ثم تهوى بلا حراك جثة هامدة.

نظر لأولاده وزوجته.. وجد الدموع تنساب من أعينهم.. قام وهو يقول لاحول ولا قوة إلا بالله.. ربنا ما يحوج حد يا كريم يا منان.. قام فتوضأ وذهب ليصلى المغرب..جلس يبتهل إلى الله..اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك.. اللهم استرنا ولا تفضحنا.. اللهم إنى أصابنى الكرب ففرج همى.. قام الرجل ودخل غرفته.. تمدد على السرير.

وجده يقف فى أرض قاحلة مليئة بحفر كثيرة وكل حفرة يقف أمامها مجموعة من الناس فى طابور طويل لا يظهر له آخر..!! نظر فى الحفرة التى أمامه.. وجد داخلها رجلا طويلا ضخم الجثمان ينظر إليه ويدعوه للنزول وهو يبتسم ابتسامة صفراء..!!؟ خاف وتردد.

اتجه نظره إلى الحفرة المجاورة فأصيب بالذهول فقد وجد رئيس المصلحة التى يعمل بها وهو يخرج منها يلملم ملابسه وهو يحمل فى يديه حبات كثيرة من البطاطا.. يحاول أن يمسك بها فتسقط إحداها على الأرض فينحنى ليأخذها لتسقط أخرى.. أصابه العجب.. قال لنفسه سيد بيه.. مش معقول أنا مش مصدق عنيه..!!

وقبل أن يفيق من الدهشة وجد شخصا آخر يخرج حاملا ملابسه فى يديه من حفرة أخرى وهو يحاول أن يجر حبة عملاقة من البطاطا لم ير لحجمها مثيلا فى حياته.. فتح فمه على آخره من الدهشة.. معقولة الباشا هو كمان هنا..!! إيه اللى أنا شايفه ده..!! عجز الرجل عن حمل جدر البطاطا العملاق.. أشار بيده فجاء عدد من الرجال عدوا..عنك يا سعادة الباشا.. حملوه عنه وهو يسير أمامهم فى شموخ واستعلاء..!!

انتبه على صوت الواقفين خلفه.. يالا يا أخينا خلصنا.. انزل.. نظر مرة أخرى إلى الحفرة.. وجد نفسه تقول.. لا.. لا..وهو يتراجع.. سمع بعضهم يقول.. بشوقك .. باين عليك راجل مستغنى..!! أخذ يعدو بين الحفر والحشود الواقفة أمامها.. وصل لأول الطريق.. وقف يلتقط أنفاسه.

وجد عربات كثيرة واقفة ورجال يمسكون ببعض الأشخاص الذين يحملون فى أيديهم بقايا صغيرة من حبات البطاطا يجرونهم من ملابسهم ويسوقونهم لداخل العربات مقيدى الأيدى وهم يبكون ويصيحون.. جدر البطاطا كان السبب..!! جدر البطاطا كان السبب..!! نظر هنا وهناك لعله يرى رئيس المصلحة أو الباشا فلم يجد لهما أثرا..!! فجأة يجد أحدهم يشير إليه من بعيد..أمسكوا الراجل ده وهاتوه هنا.. جرى العديد من الرجال ليمسكوا به.. وجد نفسه يعدو بأقصى سرعة.. يعدو وهم يعدون خلفه.. أحس بأن قلبه يكاد أن يتوقف.. وجد أحدهم خلفه تماما.. مد يده ليمسك به..

أمسكت به تهزه.. أبو حسين.. أبو حسين.. فتح عينيه مفزوعا.. فوجد زوجته أمامه..!! فيه إيه.. ومالك عرقان كده.. مفيش.. الحمد لله.. الحمد لله.. إيه هتنام بدرى من غير ما تتعشى وتصلى العشا.. لأ..أنا غفلت بس.. قام فغسل وجهه و توضأ وصلى.. جلس فى زاوية الغرفة.. أمسك المصحف يقرأ فيه.

جاءت ابنته.. بابا فيه واحد عايزك.. ذهب يستقبل الضيف.. مش معقول.. اتفضل..أخذه بالحضن وهو يقبله..الباشمهندس محمود.. يا ألف بركه..فينك..؟؟ مشاغل يا حاج.. جلسوا يتذكرون الأيام الخوالى.. أنا ما أنساش الأيام الحلوة اللى قضيتها أنا ووالدك رحمة الله عليه.. كان أعز الحبايب..هو كمان دايما كان بيشكر فيك ويقول أنا ماشفتش راجل بأمانة وأخلاق أبو حسين.

وهو ده اللى جايبنى النهارده.. أنا شاركت واحد على شغل فى الإمارات ولازم أكون هناك.. وزى ما أنت عارف أنا فاتح سوبر ماركت كبير فى المهندسين..شغال ما شاء الله.. فكرت مين ممكن أستأمنه عليه.. ما لقيت إلا أنت يا حاج..وخصوصا أنى سمعت أنك طالع على المعاش قريب..المرتب اللى أنت تقول عليه أنا تحت أمرك.. اللى كان مسئول عنه قبل كده أنا كنت بدى له أربعة آلاف جنيه.. بس انت حاجة تانية.. يابنى ماتقولشى كده..أنت زى ابنى حسين.. شرب الرجل الشاى وانصرف بعد أن اتفق معه.

رجع حيث كان يجلس فى زاوية الغرفة.. أمسك بالمصحف.. فتحه حيث توقف فوجده يقرأ.. ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.. انسابت الدموع من عينيه وهو يردد.. نعم حقا وصدقا.. حقا وصدقا يا كريم يا منان.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة