وائل السمرى يكتب: إهدار 150 عاماً من الثقافة

الثلاثاء، 05 أكتوبر 2010 01:57 م
وائل السمرى يكتب: إهدار 150 عاماً من الثقافة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يبكى الأمريكيون "بدل الدموع دم" حينما يذكرهم أحد بأن الروس صعدوا إلى القمر قبلهم، رغم أن فارق السنين الذى يؤلمهم ويؤذيهم ويشعرهم لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة من السنوات، بل إن هناك شائعات قوية تدعى أن قصة صعود الأمريكان إلى القمر "ملفقة"، وجاءت بناء على أوامر رئاسية غاضبة، إذ لم يستطع الرئيس الأمريكى أن يتحمل فكرة أن الروس يمتطون سطح القمر بينما الأمريكون غارقون فى مدينة ديزنى لاند، وبناء على هذه الأوامر كما تقول الشائعات "فبرك" الأمريكيون قصة صعودهم إلى القمر ليكونوا قريبين من الروس فى التفوق العلمى، لكن هذا بالطبع لم ينسهم عار أن يتفوق عليهم الروس، ولو ببضع سنوات.

تبرز هذه القصة الجدلية حالة الصراع بين الشعوب على إثبات التفوق والتقدم، ومدى غيرة الوطنيين على أوطانهم للدرجة التى جعلت الدولة بجميع مؤسساتها تعمل ليل نهار لكى لا يفوتها نصيبها من التفوق وإثبات الذات على الخريطة العلمية أو الاقتصادية أو الفنية، تذكرت هذه القصة حينما قرأت خبرا نشرته الزميلة هدى زكريا فى اليوم السابع عنوان الخبر يقول "الأوبرا تحتفل بعيد ميلادها الـ 22" وفى تفاصيل الخبر أن احتفالية الأوبرا سيحييها 150 فناناً من أوركسترا القاهرة السيمفونى بقيادة المايسترو ناير ناجى ونخبة من نجوم فرقة أوبرا القاهرة فى الثامنة مساء الجمعة المقبل على المسرح الكبير.. قرأت الخبر وتساءلت واستغربت وتعجبت وفكرت فحزنت.

حزنى لم يكن من إقامة الاحتفالية، فشىء إيجابى أن نحتفل بما أنجزناه، وإن كانت فقرات الاحتفال مجانية فخير لهواة الفنون أن يتجمعوا حول مائدة فنية راقية، وإن كانت بمقابل مادى فلا ضرر ولا ضرار، لم يكن حزنى إذن نابعاً من الاحتفالية ذاتها، أو جدواها ونفعها، وإنما من صيغة الإعلان عن الاحتفال بعيد ميلاد الأوبرا الـ22 الذى سيستمر لمدة أسبوع ويمتد إلى جميع المسارح بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور "أى أن الوزارة تخطط لأن يكون الاحتفال مدويا، يعلمه القاصى والدانى، بما يعنى أن وزارة الثقافة تنفى 150 عاماً بكاملها من تفوق مصر الثقافى على معظم دول العالم فى أن يكون لديها أوبرا، فمعروف أن دار الأوبرا المصرية التى بناها الخديوى إسماعيل احتفالا ببناء قناة السويس سنة 1869 من أقدم الدور فى العالم، وأن تاريخ بنائها القريب من تاريخ أقدم دور الأوبرا فى العالم، جعلها الأقدم على الإطلاق فى أفريقيا والشرق الأوسط، فلصالح ممن تمت هذه المغالطة ولصالح من نهدر مائة وخمسين عاماً من التفوق الثقافى، ونحتفل بعيد ميلاد الأوبرا المصرية الـ 22، بينما الأمريكيون محزونون على بضع سنوات من تفوق الروس عليهم؟

يفتخر المثقفون المصريون بأن بلدهم كانت رائدة فى إنتاج وتصدير الثقافة والمعرفة، بينما تأتى وزارة الثقافة لتمحى هذا الفخر بجرأة لا تحسد عليها، فإن كانت قيادات وزارة الثقافة لا تعى أن دار الأوبرا المصرية أنشئت عام 1869 فهذا جرم لا يغتفر، وإن علمت وتجاهلت فهذه خطيئة أكبر، ولكى لا يقول أحد إن الوزارة تحتفل بتأسيسها لدار الأوبرا الجديدة فى 1988 بعد أن احترقت الأوبرا القديمة سنة 1971، فهذا معناه أننا نتنازل عن تاريخنا المجيد لنفتخر بحاضر قريب لا يجعل لنا فضلاً يذكر فى صناعة الثقافة وإشاعتها على المنطقة العربية والأفريقية، وإن كنا حقا نحتفل بـ"المبانى" الجديدة وليس بـ"المعانى" المجيدة، فلا حق لنا أن نفتخر بمرور مائة عام على إنتاج أول فيلم سينيمائى، تحت عنوان 100 سنة سينما، وذلك لأن المعامل والسينيمات التى شهدت ميلاد السينما تآكلت وهوت واحترقت، وبنفس الآلية لا يحق لنا أن ندعى مرور أكثر من أربعة عقود على أول افتتاح لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، وذلك لأن مكان المعرض تغير من الجزيرة إلى أرض المعارض، وسينتقل هذا العام من أرض المعارض إلى قاعة المؤتمرات ومنها إلى أرض المعارض مرة أخرى، وقس على ذلك أغلب مشاريع الثقافية الكبرى التى كان لنا فضل ابتكارها أو على الأقل عدم تخلفنا.

ليس سهلا على واحد مثلى أن يمحى تاريخ بلده بممحاة احتفالية ضخمة كهذه؛ لمجرد أن وزارة الثقافة تريد أن تشارك فى موسم الاحتفاليات بأعياد أكتوبر وموسم استعراض الإنجازات قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإن كان هناك ضرورة سياسية لمثل هذه الاحتفاليات فلا أرى ضرورة لتشويه الماضى من أجل أن نمجد الحاضر، وأرى أنه جرم كبير أن ننفى كياناً كبيراً اسمه دار الأوبرا المصرية التى بناها المصريون من عرق جبينهم منذ أكثر من قرن ونصف القرن، ونمجد كيانا "جديدا" أنشأناه بمنحة يابانية، وهذا خطأ تاريخى كبير لا يجب أن يصدر عن دار عريقة يرأسها فنان مرموق مثل الدكتور عبد المنعم كامل، ولا يجب أيضا أن يصدر عن وزارة مهمتها الأولى تنوير الشعب وتعليمه وليس تغفيله وتجهيله، وغاية ما أتمنى أن يتم تصحيح هذا الخطأ وتداركه، خير من التمادى فيه فيصبح الخطأ خطيئة.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة