فى كتابه الساخر الثانى " لعل وعسى" تخلى أشرف توفيق عن العديد من التيمات التى استخدمها فى كتابه الأول "مبسوطة يا مصر" ، يبرر توفيق ذلك برغبته فى إبداع تيمات ناجحة جديدة بخلاف التيمات التى نجحت مع كتابه الأول وجعلت "مبسوطة يا مصر" ضمن أكثر الكتب مبيعا، رغم اعترافه بأن البيست سيللر ليس معيار نجاح هذا الأدب، فى هذا الكتاب يتنبأ توفيق بحال مصر بعد 50 سنة، وحال العرب وحال الرياضة، والصورة لن تختلف كثيرا عن اليوم بل ربما تزداد سوداوية، عن " لعل وعسى" كتابه الأخير الصادر عن دار مزيد، كان لـ"اليوم السابع" معه هذا الحوار:
ما رأيك فى الوسط الأدبى " الساخر" تحديدا؟
الذى يحدث فى الوسط، يعبر ببساطة عن مقولة "كلما يبزغ فن جديد، فيكون هناك مبدعون، ويكون هناك مدعون" المشكلة أن الجميع يتعامل على أنهم كلهم مبدعون، والإعلام أكبر مسئول عن هذه المشكلة، وكذلك كل اللى معاه ألف ونص يعمل كتاب، ويعمل جروب على الفيس بوك، ويعمل طبعة تانية وتالتة، بينما الكتابة الجيدة تبيع 300 نسخة فقط، لكن بالتأكيد هذه الكتابة الجيدة ستبقى و"تصفصف" المسألة على المبدعين الجيدين، وأنا لا أتحدث عن هذا من نقطة ضعف، "مبسوطة يا مصر" كتابى الأول حقق طبعات كثيرة، ومحدش عملها فى مصر، ولكنى لا أعترف بالبيست سيللر، فلا يمكن أن أحكم على إبداع فنان من عدد أصدقائه على الفيس بوك، أو باع كام، أو اللى سلموا عليه وحضنوه كام، بل أنا واثق من أن " الرغاوى ستختفى، وتبقى الكتابة الأصيلة فى النهاية، سيخرج من هذا الجيل أثنان أو أربعة كتاب أصلاء.
جاء كتاب لعل وعسى يخلو من اسم مصر فى عنوانه؟ لماذا؟
وهل هذا شرط ولا إيه؟
أكيد ليس شرطا، ولكنها تيمة ظهرت فى العديد أسماء كتب الأدب الساخر مثل كتابك الأول "مبسوطة يا مصر" وغيرها؟
كنت بحاجة لتغيير التيمات بعد نجاح الكتاب الأول " مبسوطة يا مصر" والذى أعطتنى مؤشرات المبيعات على نجاحه، ونجاحه جعلنى ألجأ لتخلى عن بعض أسباب هذا النجاح، ومنها الكتابة بالعامية، أو استخدام اسم مصر فى العنوان، أو انتقاده لبعض أوضاع مصر، أو لأنه كان فى البداية جزءا من تدوينات، تخليت عن كل هذه العناصر، ومنها الكتابة بالعامية، ولجأت لتحديث الكتاب باللغة الفصحى، لكى تبقى الكتابة الصرفة التى تخلو من أى عوامل جذب، والكثير لامنى على عنوان الكتاب " لعل وعسى" لكن ما يهمنى أن يصل للقارئ هو كتابتى وليس اسم الكتاب أو غلافه أو أى شىء آخر.
هل يحمل هذا العنوان " لعل وعسى" دلالات على روح يائسة لمؤلفه؟
ليس العنوان فقط الذى يحمل هذه الروح اليائسة، أو الكتابة تحديدا ولكن كل أحوال مصر، نعيش فى فترة تردٍّ، وهى ليست المرة الأولى التى نمر بها فى مصر، وشعب مصر لن يلبث أن يخرج من كبوته، مثل العنقاء التى تخرج من الرماد، كل ما أرغب أن أقوله هو أن الكتابة لديها القدرة أن تغير، محمود السعدنى كتب منذ 40 سنة عن مشاكل تحدث فى مصر حتى الآن، لعل وعسى أن يتغير هذا الحال، ولعل وعسى أن يقرأ شخص ما هذا الكتاب ويوقع على بيان التغيير.
هل تتشابه أحيانا فى كتابتك مع أبناء جيلك ممن يكتبون الأدب الساخر؟
طبعا أنا أبحث عن الاختلاف، وأحاول أن أكون مختلفا بقدر الإمكان عن كل أبناء جيلى، والإبداع الحقيقى فى الأدب الساخر أن أحول الفكرة التى يراها كل الناس، إلى زاوية أخرى مختلفة تماما والجيل السابق على جيلى تميز بهذا الشكل وتحديدا عمر طاهر الذى تميز بأفكاره المبتكرة، فهو لا يرى مثلا القمامة فى الشارع، ولكنه يرصدها من ناحية أخرى.
كيف تحاول أن تخرج من عباءة السابقين عليك أم أنك تتأثر بهم فى الكثير من أفكارهم؟
لا أكرر مفرداتهم، أو تيماتهم، فأنا مثلا أتفادى تكرار تيمات عمر طاهر، ولكنى أتأثر بروح الابتكار، فأنا متأثر بأحمد رجب ومحمود السعدنى، ولكن كتابى ليس فيه هذا أو ذاك، فأحصل منهما على روح " الإيفيه" وابتكاره.
قلت فيما سبق رأيا بخصوص سطوة جيل " أحمد رجب والسعدنى" وبقائه فى الذاكرة أكثر من الجيل الحالى؟
هذا الجيل كان ينبش ويكتب فى العمق، وأنا لا أستطيع أن أحكم على جيلى بالكامل، لكن السعدنى ورجب وغيرهما كان لكلمتهما سطوة التغيير، لأنهما عاشا فى فترة فيها الكثير من الزخم والتغيير، فالسعدنى مثلا سافر كثيرا والتقى برؤساء وحكام ووزراء، ونحن بالتأكيد سوف يكون لنا نفس هذا النصيب من التغيير، ولكن المشكلة تكمن فى المتلقى للأدب عموما، وليس متلقى الأدب الساخر فقط، فهل مثلا عقمت الأمة عن إنجاب شاعر بوزن صلاح جاهين؟ بالتأكيد هناك غيره وأكثر، لكن حظ جاهين الذى ظهر فى عصر بداية الثورة، وصنع مع عبد الحليم حافظ أشياء كثيرة حفظت له الخلود، والجمهور هو الذى صنع أبوالليف وعمرو دياب، وهو أيضا القادر على صنع نجوم من جيلنا ربما يكونون أكثر موهبة من أحمد رجب ومحمود السعدنى.
تخيلت أحوالنا بعد نصف قرن، فتعاملت مع موضوع التوريث، وكذلك افترضت أن إسرائيل سوف تتدخل للصلح بين فتح وحماس، لماذا هذه التيمة؟
أى كاتب باستطاعته أن يقرأ المستقبل، ليعرف "إحنا رايحين على فين"، ومعظم كتابتى سياسية ساخرة، لذلك قمت بقياس كل الأمور على هذا النحو السياسى الساخر، وعليه تخيلت أن المستقبل سيشهد تحول القضية الأساسية وهى طرد إسرائيل، إلى أن تقوم إسرائيل بالصلح فيما بين حماس وفتح، ونفس الأمر للرياضة وحالها، وأحببت أن اطرق هذا المجال لأتخيل هذا المستقبل.
ولكنها رؤية سوداوية للمستقبل، ويائسة، كأن اليأس هو ضرورة لكتابة الأدب الساخر؟
وهل يجوز أن أسخر مثلا من أى صورة إيجابية، فالواقع السوداوى هو أساس فكرة الأدب الساخر، فنقد الأدب الساخر معناه أنك تنتقد أوضاعا سلبية ما، فلن يجوز فى أى حال من الأحوال أن أسخر من أتفاق بين فتح وحماس مثلا، وطبعا هى ليست كتابة يائسة، فالكتابة الساخرة هى الكتابة الجادة ، لكن بصورة مختلفة، فالمقال الساخر الذى أكتبه عن التوريث، هو نفسه المقال الجاد الذى يكتبه الأسوانى عن نفس الموضوع، وأنا لن أكتب عن أعمدة النور المضيئة مثلا فى الشوارع، فهذه هى طبيعتها، وليس منحة من الحكومة أن تجعلها مضيئة، والكتابة الصحفية عموما ليست معنية بالإيجابيات، وإنما بالسلبيات.
لماذا قمت بتكرار مصطلح " البوس الهادف" فى هذا الكتاب، رغم أنك استخدمته فيما سبق فى كتابك "مبسوطة يا مصر" والجميع يستخدمه؟
يجب أن تضع فى اعتبارك أن قارئ الأدب الساخر هو قارئ ذو فكر، ولكنه يبحث عن المصطلح الذى يعرفه، فهو يعرف مصطلح " البوس الهادف" ويضحك عليه، ولن أستطيع إضحاكه بمصطلح آخر لا يعرفه، التجديد هو فى اختراع " إيفيهات جديدة" وأفكار أخرى جديدة.
مقال الكاتب الكبير بالكتاب، أشعرتنى بمعاناة الكُتاب فى مصر، ما هى تلك المعاناة؟ ومن السبب فى أزمتهم فى مصر؟
الناس دائما ترى الكاتب يدخن بايب، أو سيجار، وهذه الصورة استقوها من صور الكتاب الصحفيين أمثال هيكل وسلامة أحمد سلامة، وكان قديما توجد مدرسة صحفية تسمى البارونات، ولا يعرف أحد أن الكاتب هو أغلب خلق الله، لأنه يعيش على كلمته، والكاتب لن يستطيع حل مشكلته إلا بالصدق مع نفسه، لأن المتغطى بالحكومة أو أى حكومة "عريان".
هناك سخط ما فى مقالك "الإسلام من مكة إلى سيتى ستارز" هل تتحدث بلسان السلف لتسخط على الأوضاع الحالية؟
أنا لا أتحدث بلسان السلف، أو القدامى المتشددين، وإنما أتحدث بلسان أى شاب مصرى عادى غير راض عن كل التجريح الذى يناله الدين، من غير المتخصصين، كذلك قلت لأ لصورة الإسلام التى يروج لها بعض الدعاة الجدد، والإسلام أولا وأخيرا أتى من مكة، ولكنى أدعو لتفتيح مخ ما، وبمقارنة ما بين النص الأساسى وتطبيقه على واقع الحياة المعاصرة، حتى أنا نفسى لا أستطيع أن أتحدث فى الإسلام، ولكن للأسف الدين أصبح الحيطة المايلة لكل من هب ودب، فلماذا تتحدث مثلا راقصة فى الدين، ويسألها بعض الإعلاميين عن رأيها فى الرقص هل هو حلال أم حرام، هذا هو ما أرفضه، أنت وظيفتك مثلا صحفى، أو سياسى، لماذا تتحدث فيما لا تعرفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة