صدر حديثًا عن الدار المصرية اللبنانية للناقد الكبير الدكتور صلاح فضل بكتاب بعنوان "محمود درويش...حالة شعرية"، ويقع الكتاب فى مائة وخمسين صفحة من القطع المتوسط، ويتناول د.صلاح فضل فيه العديد من القضايا الحياتية والشعورية التى شكلت تجربة الشاعر الراحل محمود درويش.
ففى الافتتاحية يقف د.صلاح فضل أمام بيئة محمود درويش، والتى كانت حياته، كما يصفها فصل بأنها كانت مأزقًا وجوديًّا محكومًا بتفاصيل حالته الشعرية، فقد عاش موزعًا بين الأزمنة والأمكنة والقصائد.
ويتتبع صلاح فضل حياة محمود درويش كسيرة، منذ مولده فى قرية البروة، ونزوحه إلى بيروت، وعودته مرة أخرى مرورًا بحياته فى روسيا والقاهرة وبيروت وباريس وعلاقته بالرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، بعد أن انضم درويش إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ودوره القيادى فيها، حتى رئاسته المجلس الأعلى للثقافة والإعلام، واستقالته من كل مناصبه.
ويقول فضل "على رغم اقتراب درويش الشديد من ياسر عرفات وتحريره لبعض خطبه المهمة فى المحافل الدولية، وإطلاقه لبعض الشعارات التى دخلت ذاكرة التاريخ، فقد ظل درويش منذ بداية التسعينيات حتى رحيله يتنقل من بيته فى "عمان" و"رام الله" فى حالة من القلق والحصار، واضعًا نصب عينيه دائمًا تربية وعيه الشعرى بالقراءة والتأمل، ومدمنًا لهذا الولع المزمن بالتجاوز واللهفة إلى ممارسة التحولات الدائبة فى أسلوبه وتقنياته ورؤيته، بعد أن كان قد نجح فى التخلص مما يعوق حركته الإبداعية".
وفى الفصل الأول "شعرية العشق" يقف د.صلاح فضل أمام مرحلة درويش الرومانسية وتأثره بنزار قباني، مرورًا بالنقلة النوعية الفادحة التى أحدثها أدونيس بأسلوبه التجريدى، لكن درويش فى كل قصائده استطاع أن يدخل موتيفات جديدة ولقطات منسوجة بمهارة فائقة تحيل على عالمه الخارجى، لتتوالى بعد ذلك مغامراته الإبداعية لتتجاوز حدود الحداثة المستقرة عند منطقة التجريد، ولتقدم مزيجًا جديدًا من التعبير المكثف حينًا والملطف حينًا آخر عن هموم الإنسان فى الحب والموت والخلاص.
ويأتى الفصل الثانى يتناول فضل "تحولات درويش"، والتى تمثلت فى مباحث مفردة حددها بدقة الناقد الكبير مثل: "من البراءة إلى الخطر"، ثم "الخروج إلى شكل آخر" وهو ما يفسره درويش نفسه بقوله "إننى أقوم بتنمية طاقتى الإبداعية المستقلة عن أسباب شهرتى وبعدم الوقوع فى أسر الخطوة الأولى التى قدمتنى للناس والتمرد على أشكالى القديمة بمحاولة التجديد المستمر للذات".
وفى الفصل الثالث "قراءات نصية" يقف صلاح فضل طويلًا أمام حالات أعمال محمود درويش مثل: حالات الشعر والحصارات، والقصيدة الدرامية الشاملة، ولمسات الحداثة، فبرغم ارتباط درويش بقضية واقعية هى الأخطر فى التاريخ العربى فإنه - مع ذلك - شاعر حداثى.
ومن الدواوين التى تناولها فضل لدرويش فى هذا السياق "كزهر اللوز أو أبعد" و"لا تعتذر عما فعلت" وكتاب "أثر الفراشة".
ويختتم د.فضل رحلته مع درويش قائلًا "كان محمود درويش مثل عظماء الشعر فى كل العصور، طفلًا سماويًّا مدهشًا يحتفل بالحياة ويغنى لها، ثم يلعب مع الموت، ويطيل رفقته".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة