ساهمت التصريحات المنسوبة للأنبا بيشوى مؤخرا فى نمو حالة جديدة من الجدل المجتمعى حول الكثير من الملفات "المفخخة" فى مصر، تلك التى شكلت حدودها الخطوط الحمراء ، من ثم سارعت كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها فى الاحتشاد خلف حملات الشجب والاستنكار بمختلف صورها والمعبرين عنها فى محاولة منها للتغطية على حقيقة ارتخاء حبل "هامش" الحرية، ذلك للحد الذى طال سقف العبث بالهوية والأديان، بل وللتأكيد مجددا عن أن الخلاف لا يفسد فقط القضية، لكنه يجعلها مهيأة دوما للانفجار.
تصريحات الأنبا كشفت كذلك عن حقيقة أن ما فى الصدور يبقى بداخلها، حتى وإن ظل خافيا طويلا تحت خط "الوحدة الوطنية" الأحمر، أيضا عن مدى السوء الذى وصلت إليه حالة (الإحتقان الطائفى) لدينا، حيث فقدان الوعى والدخول فى غيبوبة لا يعلم سوى الله وحده متى الإستفاقة منها، ذلك مع استمرارية الإنكار "الرسمى" وعدم الاعتراف بوجودها. أما الأخطر هنا هو ما بات يدعونا مجددا للاقتراب رغما من تعدى الخطوط الحمراء، ذلك بعدما وضحت ملامح حركات جديدة يجتهد الجهلاء والمتشددين على جانبى الوطن من بلورة الشكل النهائى لها متخذين من حالة الفوضى العامة ستارا لها.. باحثة لها عن دور "خلاق" فى كنف ظلال مجتمع احتلت الضبابية سماءه، وتصدرت "العشوائيزم" المشهد العام له، لتصبح العنوان الأبرز للمرحلة الراهنة.
خطر تصريحات الأنبا ليس مقتصرا فقط على حد ما صور عبثا بالدين، لكنه حمل الكثير مما ساهم فى تأجج نار الفتنة وقابلية درجة حرارتها للارتفاع تصاعديا تدريجيا، الأمر الذى ينذر بالتهام الجميع على أرض الوطن. كذا فقد حملت تعقيبات البابا وفى تصورى سوء تقدير لطبيعة الموقف، حيث أن البحث فى الشكل "الترضية" المقترحة من جانبه لن يكون خاضعا لرؤية الملايين من المسلمين فى الداخل، لكنه يمس مليار البشر منهم فى شتى بقاع الأرض.
حقيقة أن تكرار حالات الاحتشاد الوطنى للحديث مجددا عن مبدأ (الوحدة الدينية) التى لازلنا نتمتع بها فى مصر، رافعين الشعار"الدين لله.. والوطن للجميع".. لم يعد هو المخرج المناسب من سقطات الجهلاء، بل ولن يشكل الرادع كذلك أمام الجامحين ممن ظهروا لا حدود لهم، ومن ثم فقد باتت الحكمة تقضى بضرورة البحث فى كيفية إرواء هذا الظمأ الثقافى والمعرفى من خلال الرجوع مجددا إلى صحيح الدين عبر المؤسسات لا الفضائيات، كذا أن تبدأ أجهزة الدولة كافة فى الالتفات إلى كيفية محاصرة تيار "التشدد" وسرعة تغيير وجهته، ذلك قبل إتفاقه وتيارات أخرى خارجية تهدف إلى الإطاحة بالجميع من أمامها، هذا إلى جانب البحث فى كيفية التغلب على أسباب غياب الوسطية وانقراض ثقافة الاختلاف وعدم تقبل الآخر..أيا كان.
محمد عبد القادر يكتب: نيران الفتنة وهامش الحرية
الأحد، 03 أكتوبر 2010 12:16 ص
الأنبا بيشوى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة