ليس دفاعاً عن حزب البشير

الجمعة، 29 أكتوبر 2010 06:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تذكرنى سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، بوزير الخارجية الأمريكى الأسبق كولين باول عندما وقف فى بدايات عام 2003 وقبل أيام قليلة من اجتياح العراق ليسوق مبررات كاذبة بامتلاك العراق أسلحة نووية، ثبت بمرور الأيام أنها ادعاءات كاذبة لرغبة أمريكية جامحة فى غزو العراق لأى سبب كان.

سوزان رايس على نهج باول تسير، فها هى منذ أيام بدأت فى ترويج ادعاءات أمريكية قد تكون مسوغاً لأمور قد لا تحمد عقباه مستقبلاً، بأن هناك استعدادات فى شمال السودان لشن حرب على الجنوب عبر حشد قوات فى مواجهة الجنوبيين، انتظارا لنتائج استفتاء حق الجنوب فى تقرير مصيره المزمع عقده فى التاسع من يناير المقبل، وهو ادعاء نفته الخرطوم بقوة.

ولم تستطع رايس أو أى من عناصر الدبلوماسية الأمريكية تقديم الدليل عليه، مما يشير إلى أن واشنطن تخطط لشىء ما تجاه السودان، يتعدى مرحلة الاستفتاء، الذى تؤكد الخرطوم من خلال الرئيس عمر البشير وكافة الساسة الشماليين أنه استحقاق لابد منه، لكنهم يبحثون عن نزاهة وشفافية هذا الاستحقاق، خاصة فى ظل تجربة أقل ما يقال عنها بأنها مريرة عاشها جنوب السودان فى الانتخابات العامة فى أبريل الماضى تحت تهديد السلاح، بعد أن رفع قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان شعار "من ليس معنا فهو ضدنا"، فى وجه من كانت نيتهم تتجه إلى تأييد أو دعم مرشحى المؤتمر الوطنى، ورغم هذه الانتهاكات الصارخة من جانب الجنوبيين لم نر أى إشارة إليها ممن راقبوا هذه الانتخابات، وركزوا جهودهم على الخرطوم فقط فى محاولة لإظهار ديكتاتوريتها أمام العالم، فخاب ظنهم، وظهرت الخرطوم وغيرها من مدن الشمال فى حالة ديمقراطية أذهلتهم.

السودان حقاً قادم على مرحلة فى غاية الخطورة، لا تقتصر عواقبها عليه فقط وإنما تمتد إلى كافة دول الجوار، وخطورة المشهد تكمن فى رغبة أطراف عديدة فى ألا ينعم السودان بالاستقرار، ولا أكون مبالغا إذا قلت إن هناك دولاً مجاورة ترى فى انفصال الجنوب استقراراً لأمنها هى، وأقصد هنا تحديداً دولة أوغندا التى أعلنت دعمها الكامل للحركة الشعبية لتحرير السودان، لأنها ترى فى دولة مستقلة للجنوب هى الطريقة المثلى للقضاء على عناصر جيش الرب المتمردة المقيمة على الحدود السودانية الأوغندية، وبالتوازى مع ذلك، بدأت تظهر أصابع إسرائيل الخبيثة التى يبدو أنها عقدت صفقة مبدئية مع الجنوبيين كان من نتاجها التصريح الذى أدلى به مؤخرا زعيم الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت بأنه لا يستبعد إقامة "علاقات جيدة" مع إسرائيل وفتح سفارة لها فى جوبا عاصمة الإقليم، فى حال اختار الجنوبيون الانفصال فى الاستفتاء المقرر مطلع العام المقبل، معتبرا أن الدولة العبرية "هى عدو للفلسطينيين فقط، وليست عدواً للجنوب".

إذن السودان بحاجة إلى فترة لإعادة تقييم أوضاعه الداخلية والخارجية، لأننا ونحن على أبواب الاستفتاء لم نر أية مؤشرات قوية على إمكانية أن تمر هذه الظروف على خير، وأنا هنا لا أقصد حرباً، لأن هذا الأمر أراه فى مؤخرة الاحتمالات، وإنما أتحدث هنا عن المشاكل التى بدأت تعترى تنفيذ الاستفتاء، والتى ليس أقلها الخلاف البادى حاليا حول منطقة أبيى التى بدأ الجنوبيون فى خلق المشاكل حولها، ومن هنا ظهرت بعض المطالب بتأجيل عقد الاستفتاء لمدة زمنية قد تصل إلى ستة أشهر، تتاح خلالها الفرصة للوسطاء الدوليين ولجيران السودان التدخل لحل هذه الأزمات والمشاكل قبل أن تنفجر فى وجه الجميع، وأعتقد أن اقتراح التأجيل الآن أصبح أمراً ضرورياً، ليس لكى يحصل حزب الرئيس البشير على فرصته فى الترويج لخيار الوحدة، كما يردد البعض، وإنما لحسم المسائل الخلافية التى تم تصفية بعضها فى ورشتى العمل التى استضافتهما القاهرة خلال الفترة الماضية لشريكى الحكم فى السودان، ولكن أعتقد أن الأمر بحاجة إلى ورشة ثالثة ورابعة حتى يطمئن الجميع أن الاستفتاء سيجرى فى ظروف آمنة، لا يكون الجنوبيون فيها عرضة للضغوطات سواء العسكرية أو النفسية.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة