أتذكر موقفا منذ حوالى خمسة وثلاثين عاما كنت أقف على ساحل ميامى بالإسكندرية، وجاءت موتوسيكلات لتأمين مرور موكب الرئيس السادات (رحمه الله) ومنع عبور المشاة عبر الطريق، وسمعت رد أفعال المتواجدين بالقرب منى، أحدهم قال: "هو يعنى كان ملاك عشان نقف نتسنى حضرته"، وآخر"قال حسبى الله ونعم الوكيل هو فرعون عندنا فى مصر عمره ما حيموت"، وآخر قال "هو مين السادات يعنى عشان يعطل مصالحنا"، و و و و كلهم كانوا غضبانين من الانتظار غير المبرر.
استمر الاستهجان من المواطنين لمدة حوالى خمس دقائق، مرت سيارة مرسيدس تأمين متقدمة فبدأ المواطنون يقتربون من الرصيف، مرت سيارة أخرى إذاناً باقتراب الموكب، اصطف المواطنون وأعينهم تحملق فى اتجاه قدوم الموقف، الكل سكوت، صمت تام كل الوجوه تنظر إلى جهة اليسار، بدأت عربة التشريفة الأولى فى الاقتراب، فقام المواطنون بالتصفيق، وصل الموكب والجميع يدقق لمعرفة السيارة التى بها الرئيس السادات وسريعا ما اكتشفوا السيارة، لأن الرئيس السادات كان فاتحاً شباك السيارة ويلوح للمواطنين بيده خارج السيارة، فسمعت صياح المواطنين فى صوت واحد (تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر)، ويلوحون للرئيس السادات وهم يقولون تحيا مصر وبعضهم كان يصيح (بالروح بالدم نفديك يا سادات) ورددت أنا معهم (بالروح بالدم نفديك يا سادات)، وسالت دموعى عندما أحسست أن الرئيس السادات يلوح لى أنا، مر الموكب يتهادى على ساحل الإسكندرية الرائع، ثم عبر المواطنون الطريق وذهب كلٍ إلى حاله.
مرت السنوات وقُتل الرئيس السادات وجاء الرئيس مبارك وتكرر الموقف نفسه، بالضبط أمام نادى الجلاء بالقاهرة من حالة الاستهجان الشديدة، وخلال دقائق تحول المواطنون إلى حالة تأييد شديدة، تغير الأشخاص فالرئيس تغير والمواطنون تغيروا، لكن السلوك لم يتغير.
السلوك نقسه على جميع المستويات داخل مصر، ما بين معارضة شديدة للمديرين والقادة بعيد عنهم إلى تأييد متناه أمامهم.
السؤال كيف لقائد أو مدير أو وزير أو رئيس وزراء أو رئيس جمهورية أن يستقر قراره إلى الأصوب بدون معارضة حقيقية منطقية، وليست معارضة من أجل الاسترزاق والشو الإعلامى فقط، فكيف يمكننا أن نجد جيلا معارضا فى الشارع المصرى ممنهجا غير همجى فى التفكير ورد الفعل.
أعتقد أن المستقبل مشرق إن شاء الله فى حالة بناء جيل شاب متعلم مثقف ثقافة حقيقية وليست جوفاء، فإن ما نراه فى شاشات التلفاز من معارضين نخجل أن نقول إنهم يمثلون المعارضة داخل صفوف الشعب المصرى، فهل المعارض هو من يرفع صوته أم المعارض هو الأعلى صوتاً، أم المعارض هو من يدرس ويدقق ويحلل ويجد الحلول المناسبة، ويضع خطة مدروسة لعرضها على الجهات المختلفة سواء مجلس الشعب أو الشورى أو الجهات المسئولة الأخرى، فهل يمكن أن يستقر الأمن بدون معاونة المواطنين؟ (طبعاً لا)، هل يمكن للحزب الحاكم أن يصلح من حال الوطن بدون مساعدة المعارضة المنطقية الممنهجة وبدون مساعدة المواطنين؟ (طبعاً لا).
مهندس مؤمن عبد السميع يكتب: إلى المعارضين سِراً
الخميس، 28 أكتوبر 2010 10:47 م