فؤاد السعيد يطرح هذه الأسئلة حول النموذج التركى: لماذا يحتفى إسلاميو مصر بنجاحات حزب العدالة والتنمية كأنها انتصار لهم؟

الخميس، 28 أكتوبر 2010 09:52 م
فؤاد السعيد يطرح هذه الأسئلة حول النموذج التركى: لماذا يحتفى إسلاميو مصر بنجاحات حزب العدالة والتنمية كأنها انتصار لهم؟ رجب طيب أردوغان

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ هل يستطيع رجال الأعمال والصوفيون فى مصر أن يدعموا الديمقراطية كما حدث فى تركيا؟

يحظى النموذج التركى باهتمام وإعجاب عربى متزايد؛ سواء على مستوى النخبة أو الرأى العام، خلال السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من نجاح تركيا فى تقديم تجربة فريدة أصبح الكثير من العرب ينظرون إليها كنموذج ينبغى احتذاؤه، فربما كان الوصف الأكثر دقة هو أنه نموذج حيوى آخذ فى التشكل، وإذا كان من شأن مثل هذه النماذج الجاذبة أن تطرح تساؤلات للتفكير وتقدم مؤشرات على المستقبل لنفسها وللمجتمعات المحيطة بها، لكن لكل مجتمع خصوصياته وظروف تطوره، وبالتالى فإن الاستنساخ الكامل والمباشر والفورى غير وارد، كما أشار الدكتور على الدين هلال خلال المؤتمر الهام الذى نظمه مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية مؤخرا فى القاهرة لمناقشة أبعاد النموذج التركى وإمكانات استلهامه.

ويلاحظ بوجه عام أن هذا الاهتمام والإعجاب العربى بالنموذج التركى يكتنفه قدر من الخلط والالتباس، فثمة خلط أول بين الإعجاب بالسياسة الإقليمية التركية، خاصة مواقفها السياسية إزاء إسرائيل، والإعجاب بالنموذج الاجتماعى والسياسى الداخلى الذى تقدمه تركيا، وخلط آخر بين الإعجاب بحزب العدالة والتنمية والإعجاب بالنموذج التركى ككل. وثمة التباسات عديدة فى إدراك العرب لحقيقة النموذج التركى، إذ يبدو أننا نضفى عليه ما نحب أن تكون عليه مجتمعاتنا وحكوماتنا وأحزابنا، دون تحرى الواقع والحقيقة بالقدر الكافى؛ فعلى العكس من الرؤية العربية المتخيلة لما يحدث فى تركيا الآن، لم يتغير جوهر النظام السياسى الدستورى العلمانى المدنى الديمقراطى مع وصول العدالة والتنمية للسلطة، كما أكد البروفسير عمر تاشبينار خلال هذا المؤتمر، كما أوضح البروفيسور طالب كوكوكشان أن النموذج التركى لعلاقة الدولة بالدين تطور على مدى السنين وبشكل تدريجى؛ من اعتبار الإسلام كدين للدولة إلى دولة علمانية لا تنكر الدور الجوهرى للدين فى المجتمع.

ثمة اختزال فى القراءة العربية للنموذج التركى، تلخصه فى السماح للأحزاب الإسلامية بالمشاركة فى الحياة السياسية ووصول حزب إسلامى للسلطة، مع إغفال جميع العناصر الأخرى (المدنية الطابع) المميزة للنموذج التركى، مثل رسوخ القيم المدنية الديمقراطية بالمعنى الليبرالى -حتى بالنسبة للإسلاميين- ورسوخ فكرة أولوية الصالح الوطنى التركى العام، والدور المركزى للدولة والجيش والقضاء، وهى أمور ليست محل خلاف بين الأحزاب التركية، وأن الخلاف ينحصر فقط فى حدود أدوار كل من هذه المؤسسات لا استبعادها أو إلغاءها كما يتصور الكثير من العرب.

وبدلا من محاولة الاستفادة من دروس تطور الخطاب السياسى التركى، يحتفى بعض الإسلاميين العرب بنجاحات حزب العدالة والتنمية كأنها انتصار لهم ولنموذجهم السياسى الخاص، مع تجاهل تام للتباينات الجوهرية لعملية تطبيق «الإسلام» فى أرض الواقع الاجتماعى والسياسى فى كلا النموذجين، ودون قدرة على رؤية حقيقة التطور الذى حدث فى الفكر السياسى الإسلامى التركى الحديث والمعاصر، عبر اجتهادات أكدت الطابع المدنى البشرى للمفهوم الإسلامى للدولة والحكم والسياسة بوجه عام، وهو ما يطلق عليه فى تركيا «الإسلام المدنى» أو «الإسلام العلمانى»، وهى صياغة لا تزال تستعصى على الفهم، بل تواجه بنوع من الرفض النفسى أيضا فى العالم العربى، نتيجة سنوات من اعتياد العقل العربى على تلك الرؤية الثنائية، التى ترى الخير كله فى جانب والشر كله فى جانب آخر، وهو وضع معرفى يختلف عن الوضع التركى الذى شهد تلاقى واندماج تقاليد ثقافية عديدة من الشرق والغرب.

هذا المناخ الثقافى متعدد الروافد هو ما مهد لانتصار قطاع كبير من الأتراك للفهم الديمقراطى للعلمانية التركية، على حساب الفهم الاستبدادى لها الذى تمثل فى نهج الانقلابات العسكرية. وعلى العكس من الرؤية العربية التبسيطية التى فسرت تصويت أغلبية الأتراك للتعديلات الدستورية الأخيرة التى تحد من قدرة الجيش على التدخل فى الحياة السياسية باعتباره تصويتاً للإسلاميين فقط، فإن النتائج تشير إلى أن ارتفاع نسبة المؤيدين للتعديلات يرجع إلى أن من صوتوا -إضافة لمؤيدى العدالة والتنمية- هم قطاعات من الأتراك ذوى الميول الديمقراطية من القوميين والليبراليين غير المؤيدين للعدالة والتنمية بالضرورة، ولكن يؤمنون بالدستور العلمانى المدنى الديمقراطى كأساس للنظام السياسى التركى.

وفى مقابل القراءة العربية الشائعة، فإن العديد من الدراسات التركية تستبعد خروج الإسلام السياسى فى تركيا على أسس الدولة العلمانية المدنية فى تركيا، حيث إنها تاريخيا عرفت الدولة المركزية قبل قدوم الإسلام إليها، وهو ما يميز تركيا عن بعض المجتمعات العربية التى كانت الدولة فيها تالية لدخول الإسلام إليها كمجتمعات الجزيرة العربية، ونتيجة لذلك الوضع، فإن مثل هذه الدول العربية بحاجة ماسة إلى الدين كأحد مصادر شرعيتها السياسية، بينما تحتاج الدولة التركية فقط إلى توظيف الدين من أجل تحقيق الوفاق والسلام الاجتماعى، بينما تقف مجتمعات كمصر فى موضع بين هذين الموضعين.

ثمة أبعاد أخرى يتم تجاهلها فى الفهم العربى للنموذج التركى، وهى الأبعاد الاجتماعية؛ فوصول حزب العدالة والتنمية للسلطة لم يكن له أن يحدث إلا فى اللحظة التى تبلورت فيها قطاعات واسعة من طبقة رجال الأعمال الجدد، المتوسطين والصغار ذوى الميول الوطنية الإسلامية المحافظة، وهؤلاء كانوا وراء فوز حزب العدالة والتنمية الذى يسعى لإشراك هؤلاء المتوائمين الجدد مع العولمة، ليلعبوا دورا أكبر فى الاقتصاد والسياسية التركية إلى جانب طبقة كبار الاقتصاديين الأتراك التقليديين ذوى الميول العلمانية على النمط الأتاتوركى، كما أسهم الوقف ومؤسساته الأهلية فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى للطبقة الدنيا فى المجتمع التركى، وفى الحد من أسباب التشدد والتطرف - الدينى وغير الدينى - ضمن النموذج التركى تقليديا. وفى مقابل تعايش الحركات الصوفية مع الدولة التركية، انتشر الفكر الإسلامى الجهادى العنيف وكذلك أنصار الدولة الدينية فى العالم العربى، ولاحظ المستشار طارق البشرى خلال المؤتمر أن النظام المعرفى للتصوف المنتشر فى تركيا أكثر انفتاحا على تقبل بعض أفكار الديمقراطية الحديثة، إذا ما قورن بالنظام المعرفى الذى يقوم عليه الفكر السلفى السائد فى المجتمعات العربية، بينما حذرت البروفسيرة فوليا أتاجان من بعض الأفكار المطروحة حاليا حول إمكانات التوظيف السياسى للطرق الصوفية فى بعض المجتمعات العربية.

لقد نجحت السياسة التركية فى إعادة صياغة دور تركيا فى الاستراتيجيات الدولية لتصبح النموذج الأكثر قبولا فى الإقليم، والوسيط الأكثر قبولا من جميع الأطراف الإقليمية والدولية، كما نجحت فى تحقيق التوازن بين مصالحها الوطنية وطموحاتها الإقليمية وبين توجهات النظام العالمى والاستراتيجيات الدولية، وهو ما ركز عليه الدكتور مصطفى اللباد فى هذا المؤتمر.

وأخيراً يبدو أن على العرب إن أرادوا أن يستفيدوا من النموذج التركى حقا أن يعيدوا طرح الأسئلة مرة أخرى وبعمق أكبر: ماذا يعنى أن تكون علمانيا مؤمنا بالإسلام كعنصر أساسى لهوية مجتمعك؟ وماذا يعنى أن تكون إسلامياً يؤمن بالدولة العلمانية المدنية الديمقراطية.. فى تركيا وفى مجتمعاتنا العربية؟








مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة