سندوب ومنية سندوب وعزبة شاوة والغزاوية وأطسا والبابور

قرى فى الدقهلية والقليوبية والفيوم.. ينساها المرشحون بعد الانتخابات.. الأهالى يشكون من نقص الخدمات وتلوث المياه.. وارتفاع الإصابة بأمراض الكلى والكبد

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010 11:09 ص
قرى فى الدقهلية والقليوبية والفيوم.. ينساها المرشحون بعد الانتخابات.. الأهالى يشكون من نقص الخدمات وتلوث المياه.. وارتفاع الإصابة بأمراض الكلى والكبد صورة أرشيفية
تحقيق أمل صالح - تصوير محمود حفناوي

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع بدء مولد انتخابات مجلس الشعب، تذكر النواب والمرشحون دوائرهم فجأة، وبدأوا يكررون على مسامع أهالى دائرتهم وعودهم السابقة فى الانتخابات الماضية التى لا تعد ولا تحصى، لكن الناخبين فى القرى همهم ينحصر فى ثلاث أمنيات «لقمة نضيفة وشوية مية حلوين وأرض مروية»، يداعب بهم المرشح أسماع ناخبيه حتى اعتلائه كرسى البرلمان، ولكن هذه الأمنيات تنتهى بقليل من النفحات من «حضرة النائب».. طوال فترة الخمس سنوات هى عمر الدورة البرلمانية ثم يعاود النائب نشاطه من جديد مع الانتخابات الجديدة.

ثلاثة أيام قضتها «اليوم السابع» فى 6 قرى بمحافظات الوجه القبلى والبحرى شبعت وارتوت من وعود المرشحين الرنانة أكثر من 20 عاما. المحطة الأولى كانت داخل ثلاث قرى فى المنصورة محافظة الدقهلية، بدأناها برواية «عطية» سائق التاكسى الذى رافقنا عن أسرار الموسم الانتخابى وكيف يتعامل المرشحون مع الناخبين وقال ساخرا: «نواب مين إحنا ما بنشوفش أى نائب أو مرشح ولا نعرف عنه أى حاجة إلا فى موسم الانتخابات، ولما بيجى بيحاول «يرش»، على أصحاب الأصوات فلوس، أقفاص خضار، لناس محددة» مؤكدا أن قرية سندوب من أكثر القرى التى تشهد توزيعا للعطايا نظرا لكثرة عدد أصوات الناخبين، ويقول: الاستعداد للانتخابات بدأت مبكرا هذا العام برصف للطرق القديمة وتوزيع المعونات والأموال.

المشهد السائد بقرية سندوب أو «عزبة فاطمة هانم»، ابتداء من طريق مصر المنصورة الزراعى وحتى أعتاب القرية، كل لافتة تعرض أجندة المرشح الانتخابية، ووعود وطموحات المرشح عن مستقبل مشرق لأهالى القرى، والمفارقة أن أهالى القرية اتفقوا على أنهم لا يعرفون شيئا عن أى من المرشحين.

«سندوب» تعيش كارثة بيئية وصحية بجميع المقاييس، فأهالى القرية يعتمدون فى رى أراضيهم الزراعية على مياه ملوثة بمخلفات الصرف الصناعى، وليس مياه نهر النيل. آلاف الأفدنة الزراعية بالمنصورة تروى من مصرف المنصورة الزراعى بجوار المنطقة الصناعية بقرية سندوب بمدخل المنصورة، والذى يتلقى مخلفات صناعية خطيرة لثلاث شركات صناعية بالمنصورة، شركة الراتنجات التى تنتج الفورمالين والفينول، وشركة الدقهلية للغزل والنسيج التى تصرف أصباغها، وشركة الزيوت والصابون، مما يؤدى إلى عدم نمو المحاصيل، وإصابة عشرات الأهالى بأمراض الفشل الكلوى والكبد، أما مقلب القمامة الواقع على بعد أمتار من القرية الذى تحرق به مخلفات الأراضى الزراعية وتصيب الأهالى بأمراض الحساسية والصدر، والأهالى يشربون مياها مخلوطة بالصرف الصناعى، كل هذا لا يشاهده المرشحون، الذين يهتم كل منهم بطرح وعود بعيدا عن المشاكل الأساسية، ولا أحد يهتم بالمرضى ولا بزراعات الصرف.

وجدية المرسى حسين، ربة منزل وأم لثلاث أطفال، ترى أن «أكبر مشكلة تواجهنا هى تلوث المياه فى الحنفيات ولونها أخضر شكل الصابون، وجوزى على باب الله بنكفى أنفسنا بالعافية ومنقدرش على شرا الميه».

وعندما سألناها لماذا لا تستغل موسم الانتخابات وتلجأ للنائب عن الدائرة.. تضحك وتقول: «إحنا عزبة مهملة، أنا بقالى 15 عاما عايشة فى المنطقة دى عمرى ما شفت حد من المرشحين عندنا، ولا حد بينزل يشوف مطالبنا».

أما أحمد إبراهيم، طالب بالثانوى، فيقول: «مافيش غير مدرسة واحدة عندنا ولازم نركب مواصلتين حتى نتعلم».

وأكدت الحاجة فوزية أنها امتنعت عن شراء الخضار من القرية، خوفا على صحة أطفالها واضطرارها للذهاب لسوق بالمنصورة الواقع على بعد خمس وأربعين دقيقة من القرية لشراء جميع مستلزماتها.

أما المحطة الثانية فكانت عزبة شاوه، التى تروى أراضيها أيضا بمياه ملوثة، ويقول الحاج محمد السيد الذى يملك 9 قراريط، وكان جالسا أمام عربته الكارو فى حالة من الهم والحزن الشديد، إنه لا طريق أمامهم إلا الرى بمياه ملوثة «وإلا الأرض تبور».

وحول حال البلد فى موسم الانتخابات رد عم محمد بحدية شديدة:«الله الغنى عن عطاياهم، إحنا مش عايزين حاجة من اللى بنشوفه بيتوزع، عايزين بس حد يوفر لنا شوى ميه نظيفة نروى بيهم الأرض».

المحطة الثالثة كانت بقرية منية سندوب الواقعة على بعد15دقيقة من قرية سندوب وعزبة شاوه، التى تستلزم ركوب مواصلتين، وهى قرية حالها لا يختلف كثيرا عن باقى القرى بل يمكن اعتبارها «أفضل الأسوأ»، وأكد بعض الأهالى أنهم يعانون من دخان مصانع السماد بطلخا المحملة بمادة الأمونيا، التى أصابتهم وأصابت أطفالهم بأمراض الحساسية والصدر، كما أكد الكثيرون أنهم لايعلمون شيئا عن المرشحين ولم يقم أحدهم بالنزول للقرية ومعرفة مطالبهم، اللهم إلا الأعياد والمآتم بقريتهم.

وأكد أحمد إبراهيم المصرى، 35 سنة، صاحب محل للبقالة، أن أكثر ما يعانون منه هو المبيدات المسرطنة التى يحتكرها أحد رجال الأعمال ومرشح العمال بالدائرة، ورغم شكواهم المتعددة لكن لا مجيب لهم.

لكن عم عبدالرحيم خضر، 62 عاما، وحارس مسجد القرية أكد أن جميع الاستثمارات بالقرية قام بها رجل أعمال كويتى، ولا يعرف شيئا عن المرشحين ولا يراهم أهل القرية إلا فى المآتم والأعياد ووقت الانتخابات.

وحصلت «اليوم السابع» على مستندات أصدرتها وزارة الصحة تؤكد أن المياه التى تصرف بالمصرف مياه غير معالجة وغير صالحة للاستهلاك الآدمى، بالإضافة لتأثير تلك المياه على المياه الجوفية التى يعتمد عليها الكثير من هذه القرى فى شربهم ورى زراعاتهم، مما يسبب الضرر لآلاف الأفدنة الزراعية لقرى عزبة شاوه، وسندوب، وتليانة، ومنية سندوب، وبلجية، وعزبة بلجية، وجميزة بلجية، بالإضافة إلى إحداثه هلعا دائما للأهالى نتيجة الفرقعات المتكررة داخل المصنع وتناثر مواد حمراء اللون فى الهواء تترسب على جدران المنازل.

«مافيش وحدة صحية.. عايزين علاج.. عايزين صرف صحى.. حلمنا نشرب شوية ميه نضيفة مافيهاش تيفود»، هكذا كان لسان حال أهالى قرية الغزاوية إحدى قرى محافظة القليوبية، قرية الـ 6 آلاف نسمة.

الغزاوية قرية صغيرة تجمع بين المساكن الثلاثة والأربعة طوابق، والبيوت المصنوعة من الطوب اللبن، مدخل القرية ينبئ عن جزء ليس بالهين من وجع أهالى القرية، فالطرق غير ممهدة، وتلال القمامة وروث الحيوانات وبقايا ردم المنازل هى المشهد المسيطر على جميع الطرقات، ولكن عندما سألنا عن السبب كانت الإجابة بأن «العيب على الأهالى لأنهم رفضوا الاشتراك فى مشروع القمامة والذى يتكلف 6 جنيهات شهريا، لذا عليهم تحمل عواقب سلوكهم الوخيمة»، إلا أن الأهالى أكدوا أنهم لو كانوا رأوا بأعينهم عربات تجميع القمامة تأتى بشكل منتظم وتهتم بنظافة حالهم ما كانوا انقطعوا عن سداد الشهرية ولو على حساب قوت عيالهم، حيث أكدت لنا إحدى السيدات أن عربة القمامة تأتى كل 15 يوما للبلد.

وأكد معظم الأهالى أنهم لا يعلمون من هو المرشح، اللهم إلا علمهم بأنه يأتى كل موسم انتخابات على بيت العمدة، وبعد نجاحه يبتعد عن الدائرة ولا يستمع لشكاوى الفلاحين مطلقا، لكن الشىء الأغرب والطريف أيضا تأكيد رجل من الفلاحين أنه رأى المرشح بعينه وهو يقبل أحد الفلاحين أثناء موسم الانتخابات الماضى، لكنه بعد نجاحه لم ير وجوهنا.

وجع الفلاحين لم يقتصر على تلك الشكاوى فحسب، بل أكدوا جميعا عدم تمتعهم بأى خدمات اجتماعية أو طبية، واضطرارهم للسفر لمدينة طوخ لتلقى العلاج، راجين من الله ألا يمرض لهم عزيز بأوقات الليل وإلا «فعليه ألف رحمة ونور»، فضلا عن عدم وجود كوب ماء نظيف بالقرية، واضطرارهم لشرب مياه ملوثة مما يعرضهم للأمراض.

وقالت الحاجة فوزية، 66 عاما، إنها تتقاضى معاشا 50 جنيها، وتشتكى من عدم وجود «عيش» مضيفة: «حتى العيش مش موجود، كل 10 أنفار بيصرفوا 5 أرغفة عيش، والمواشى مابترضاش تأكله»، مضيفة أن العلاج غال جدا وأنها لو شعرت بإعياء تضطر للسفر لطوخ ولو فى أوقات الليل.

مشاكل قرية الغزاوية لا تقف عند حد رغيف العيش بل أكد الكثيرون أن مشكلتهم العظمى فى منعهم عن زراعة الأرز، بعد أن اعتادوا على زراعته ى السنوات الماضية وكان يساعدهم اقتصاديا.

وفى محافظه الفيوم، تحديدا بقريتى أطسا والبابور اللتين تحملان طابعاً خاصاً يميزهما عن باقى القرى المصرية الموسومة بالفقر، فالهجرة غير الشرعية والعنوسة وارتفاع حالات وفاة الأطفال هى الثالوث المسيطر على القريتين وتحديدا قرية أطسا المدرجة ضمن تقرير التنمية البشرية الوارد عن الأمم المتحدة الإنمائى لعام 2006/2005 باعتبارها من أفقر 10 قرى.

أغلب المنازل بالقرية مغطاة بأكوام من القش وفروع الخشب، ولا مكان للمبانى الخرسانة، فمعظمها بالطوب اللبن، تفوح منها رائحة عفنة نتيجة «طفح المياه الجوفية»، فالقرية لا يوجد بها صرف صحى يخلصها من تلك الفضلات، فضلا عن الكلاب الضالة التى تهدد أمن الأهالى باستمرار مما يدفعهم للمكوث داخل منازلهم «فرائحة المجارى أهون من فقدان رب الأسرة أو أحد الأطفال»، ناهيك عن أكوام القمامة الموجودة أمام أبواب المنازل والمتناثرة بكل منطقة بالقرية، فضلا عن إلقاء مزرعة الدواجن مخلفاتها أمام أهل القرية.

وقال عم حسين، عامل باليومية، إن كرنبة المحشى وصل سعرها إلى 12 و15جنيها بالأسواق، مؤكدا أنه لم يذق اللحمة ولا أولاده منذ ما يقرب من 5 سنوات.

وأضاف: «جميع المناطق بالقرية تعانى من المياه الجوفية، حتى مسجد القرية غارق فى مياه المجارى»، مؤكدا أنهم فى تلك الأزمة منذ أكثر من 20 عاما، مضيفا: «اشتكينا كتير، وكل مانشتكى ماحدش يرد لينا»، وبسؤاله عن النائب الحالى قال: «مانعرفوش ومابنشفهوش خالص».

المشكلة التى تواجهها قرية أطسا أن معظم الخدمات والمرافق المهمة تبعد عنها بضعة كيلومترات، مما يضاعف من حدوث كارثة، فبحسب كلام محمد، 13 عاما، فإن القرية لا يوجد بها مستوصف، والمدرسة الإعدادية تبعد عن القرية مسافة 15 دقيقة، وركوب العربات يستغرق وقتا طويلا، مؤكدا أن كل 10 أمتار توجد أكوام قمامة أو مياه جوفيه «طافحة عليهم»، مشيرا إلى أن ملاذ الأطفال الوحيد أصبح فى اللعب بتلك المستنقعات، وأحيانا يستحمون بها مما يسبب حالات الوفاة لكثير منهم.

وأكد ما سبق محمد خليل، فتلك البرك قتلت أطفاله الثلاثة وعددا كبيرا من أطفال القرية، مضيفا أن المأساة الحقيقية لأطسا تكمن فى الهجرة غير الشرعية لكثير من الشباب نتيجة حاله القرية التعبانة والفقيرة.

أما عن مدى معرفتهم بالنائب الحال فجّر رضا عبدالمنعم، عامل باليومية، مفاجئة من العيار الثقيل قائلا: إحنا 30 ألف مواطن كلنا لينا أصوات، لكننا عمرنا ما انتخبنا، ومع ذلك بنلاقى أصواتنا مدرجة بالكشوف الانتخابية.

وأضاف عم رضا: أنا بقالى 13 سنة عايش هنا عمرى ما شفت مرشح ولا سمعت عنه.

































مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة