كشف الدكتور حلمى شعراوى مدير مركز الدراسات الأفريقية عن وجود اتفاق بين الرئيس السودانى عمر البشير، ونائبه الأول سيلفاكير رئيس حكومة جنوب السودان على تمرير انفصال جنوب السودان وفقا لاستفتاء حق الجنوب فى تقرير مصيره المقرر له فى التاسع من يناير المقبل فى هدوء، مشيرا إلى وجود أوراق ضغط متبادلة بين الجانبين يتم استغلالها لتحقيق مكاسب متبادلة.
شعراوى شرح لـ"اليوم السابع" مستقبل السودان فى ظل اقتراب موعد الاستفتاء، ومدى تأثر مصر بنتيجته.
كيف ترى الوضع الآن فى السودان خاصة فى ظل اقتراب موعد الاستفتاء على انفصال الجنوب؟
الموقف فى الجنوب محكوم بموقف الحكومة التنفيذية فى الجنوب، والموقف الشخصى للبشير وسيلفاكير، ويبدو أنه تم اتفاق على تمرير الاستفتاء بهدوء نسبيا وذلك لمعالجة مسالة الانفصال بدون مشاكل، بمعنى أن هناك اتجاها ورغبة لدى الجنوبيين للانفصال، لكن هذا ضمن أطر متفق عليها بين الرئيسين، لأن الاثنين يعانيان مشاكل فى الإقليم الشمالى والجنوبى أكبر من أن يتحملوها بشكل منفصل.
ومن ناحية أخرى البشير وسيلفاكير يملكان أوراق ضغط متبادلة، يمكن أن تؤثر على مركزهما، ونحن نسمع دائما عن اجتماع شركاء الحكم والتصريحات المهدئة بعد الاجتماعات، وكل هذا يشير إلى أن الانفصال سيتم بهدوء تلبية لرغبة جماهيرية واسعة فى جنوب السودان، وهذا الأمر سمعته من كل المصادر التى تأتى إلى القاهرة، حتى السياسيون أنفسهم مع الانفصال ومع إقامة دولة فى جنوب السودان.
هل الانفصال أصبح هو الأمر المنطقى حاليا؟
الأمور كلها تسير فى هذا الاتجاه، لكن فى المقابل تظهر فكرة تبدو أنها مطروحة الآن بقوة، وهى الكونفدرالية، وهو نوع من تأكيد وجود الانفصال وإقامة دولتين بروابط وأشكال لاستمرار العلاقة بشكل جيد، وهو الشكل الهش.
وهذه الفكرة طرحت لعدة أسباب منها على سبيل المثال لحل مشكلة أكثر مليون جنوبى مقيم فى الشمال، فالاستفتاء إذا جاء بالانفصال ستكون هناك مشكلة خاصة بهذه المجموعة، هل سيتم ترحيلهم؟، لذلك الحل الآن فى فكرة الكونفدرالية، بالإضافة إلى مشكلة تقسيم الثروة والمديونية السودانية للخارج والتى تقدر بأكثر من 30 مليارا، فضلا عن المناطق الموجودة بها مشاكل مثل جنوب كردفان وأبيى.
فكره الكونفدرالية كانت مقترحا مصريا قبل نيفاشا رفضته حكومة الخرطوم.. لماذا العودة له الآن؟
الذى عاد إلى الفكرة هى الولايات المتحدة الأمريكية، فموقف المبعوث الأمريكى للسودان سكوت جريشن الأخير يؤدى كله إلى فكرة قبول حل مهدئ وليس الكونفدراليه، بما يضمن سيادة الطرفين وترضيتهم بهذا الشكل، لأن الأمريكان درسوا الموضوع من مدة وهذه الفكرة هى منتج تقرير دانفوس الذى قامت عليه نيفاشا كلها، ومحوره نظام واحد ودولتان، وهذا الأمر الموجود حاليا فى ذهن الأمريكان، بما يسمح باستمرار الاستثمارات الأمريكية الواسعة والتى يشارك فيها الطرفان، لأن واشنطن تعلم أن الاستثمارات البترولية الأمريكية لم تستقر بعد، وهناك اتفاقات خاصة بالبترول السودانى تنتظر هذا الاستفتاء ولابد أن تكون المنطقة هادئة ومهيئة لقبول نتيجة الاستفتاء بالشكل الكونفدرالى، كما أن الدول المجاورة كلها قلقة من نتيجة الاستفتاء، ولن تهدأ إلا فى حالة وجود حل هادئ، لأن أى اضطرابات ستنتج عن الاستفتاء ستؤثر سلبا على الأوضاع المضطربة فى إثيوبيا وكينيا المرشح القوى للاستفادة من جنوب السودان اقتصاديا، لكن اجتماعيا أول منطقه مجاورة للسودان هى منطقة التراب يعنى ستسيطر على أنابيب بترول وكينيا لا تحب وجود انشقاق كبيرومنطقه البحيرات ولديها مشاكلها الخاصة بها.
مصر من وجهة نظرك هل تأخرت فى التحرك تجاه السودان؟
مصر تأخرت كثيرا وكان الشاهد الأساسى هو اتفاق نيفاشا الذى يعتبر أهم صيغة تحدد مستقبل السودان، وهذا الاتفاق كانت مصر غائبة عنه، لوجود مشكلة وقتها مع الجنوبيين ممن كانوا يرون أن القاهرة تقف بجانب حكومة الخرطوم، لكن أنا شعرت من عامين أن مصر مدركة لأهمية التعامل مع الجنوب مباشرة، إلى درجة أعتقد أنها وصلت إلى أن علاقة مصر بجوبا أصبحت أقوى من الخرطوم، بعد أن دفعت بعض الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية ولذلك أصبحت القاهرة مقبولة بشكل أوسع فى الجنوب.
ما أسباب هذا التأخير؟
التجاهل هو السبب الأول، فالمشكلة الموجودة فى العلاقة المصرية السودانية، هى الوعود الكثيرة التى تقابلها عدم القدرة على التنفيذ، وهذا هو أخطر شىء فى مصر.
هل انفصال الجنوب سيؤثر على مصر؟
التأثير موجود فى عدة نواح، منها على سبيل المثال قضية مياه النيل، وإن كان الجنوبيون يطرحون الآن فكرة البحث عن هوية ثقافية مشتركة لدول الحوض كأسلوب للتعاون المشترك البناء، والجنوبيون يؤيدون هذا لطمأنة دول حوض النيل الأخرى، لأن دولا مثل رواندا وأثيوبيا قلقة من الدولة الجديدة المنتظرة.
لكن وجود دولة جديدة هل سيكون له تأثير على تقاسم مياه النيل؟
بالنسبة لمياه النيل طبعا كل الاتفاقات القديمة ستعاد صياغتها من جديد بناء على الدولة الجديدة، ولكن الجنوبيين لا يلوحون بمشكلة المياه ولكن يجدونها فرصة للاستثمار لأن عندهم مياها فائضة ومستنقعات، ومن ثم مصر تتفاوض للدخول فى قناة جونجلى ومشكلة هذه القناة أنها موجودة فى منطقه الدنجا المضطربة، لكن فى المقابل مصر فى حاجة للتواصل مع الجنوب فى مجال الزراعة على سبيل المثال، لأن دخول مصر كمستثمر زراعى سيساعد على حل مشكلة المياه لأنها ستساعد فى الاتفاق على جونجلى وخطط استخدام المياه فى الجنوب تكون محدودة لأنه لا توجد خطط تضر بمياه.
هل الدولة الجنوبية إذا قامت هل ستنضم لجامعة الدول العربية؟
لا طبعا.. لأن مشكلة الجنوب أنه يطالب بسودان جديد، وتفتقد الثقافة الجنوبية للدعاية لعروبته أو إسلاميته، فلا يعقل أن يدخل الجامعة لرفع شعار العروبة والإسلام.
وتبقى المشكلة فى جامعة الدول العربية ذاتها التى لا تدعو أحدا للدخول فيها بحماس، فهى لا تقدم أى استفادة لأعضائها على عكس التجمعات الدولية والإقليمية الأخرى.
يثار دائما أن دول مجاورة للسودان وتحديدا أوغندا تدعم الانفصال.. كيف ترى ذلك؟
بالفعل أوغندا مع الانفصال، وهى لا تسطيع أن تظهر هذه الرغبة بشكل علنى، وهى للعلم ليس لديها أية أطماع فى الجنوب، لكنها تريد منافسة كينيا على جنوب السودان، ومن الملاحظ أن أوغندا لديها إشارات من الهيئات الدولية لكى تتحول إلى شرطى فى المنطقة، فهى منذ أيام أرسلت 10 آلاف جندى للصومال، فى إطار تنافسها مع روندا وبروندى فى دور الشرطى، بالإضافة إلى أن الرئيس الأوغندى يورى موسيفينى من أجل استمرار حكمه ونقل الحكم من بعده إلى ابنه، فهو يتجه لتوثيق علاقته مع الدوائر الغربية.. من هنا لابد من الانتباه لسلوك أوغندا فى الصومال، والصومال كانت دائما فى دائرة النفوذ المصرية والسعودية وهما دولتان فى الجامعة العربية، وهما الأقوى فى المنطقة، فكيف يتركان الصومال وحيدا، ومشكلة الصومال هى أنها مبشرة لثروات بترولية عالية جدا حسب كل المصادر، وتحليلى أن كل ما يحدث الآن فى الصومال من تفتيت، سببه أن الشركات تحاول استكشاف البترول ومن ثم لا يكون فوق الأرض دولة قوية ممكن أن تتحكم فى هذا الاستخراج.
قال إن علاقة مصر بجوبا أصبحت أقوى من علاقتها بالخرطوم..
شعراوى: البشير وسيلفاكير اتفقا على الانفصال الهادئ للجنوب
الإثنين، 25 أكتوبر 2010 02:15 م
الدكتور حلمى شعراوى مدير مركز الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة