إبراهيم ربيع يكتب: فى مباراة الترجى.. عروبة مصر والجزائر دخلت المتحف!

الإثنين، 25 أكتوبر 2010 01:37 م
إبراهيم ربيع يكتب: فى مباراة الترجى.. عروبة مصر والجزائر دخلت المتحف! إبراهيم ربيع

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى اليوم الثانى لوصول بعثة الأهلى إلى تونس، همست شخصية كبيرة هناك فى أذنى، وقالت إن الآلاف من الجزائريين على وشك الوصول وآلاف آخرين من المقيمين فى تونس رتبوا أنفسهم لحضور مباراة الأهلى والترجى حاملين الأعلام الجزائرية.. استقبلت المعلومة ببرود مصطنع وقلت لناقلها إن جمهور الترجى كبير وسوف يملأ المدرجات فى مباراة لها طبيعتها الخاصة، ولن ينتظر عونا من أحد.. وأيضا لن يضير الأهلى شيئا لأنه يتوقع امتلاء المدرجات سواء بالأشقاء التوانسة فقط أو معهم الأشقاء الجزائريين.

إلا أن المعلومة أعادتنى إلى طرح الأسئلة على نفسى ولم أطرحها على غيرى حتى أنشرها أولا فى جريدتى لأنها تسجل السابقة الأولى أن يتجرأ جمهور عربى على انحياز علنى لفريق ضد آخر ينتميان معا إلى العروبة وهو ليس طرفا فى المباراة.

لا أتذكر أن ذلك حدث بهذه الكيفية فى مباريات عربية سابقة.. وكذلك لا أتذكر أن الرياضة صنعت حالة نفسية معقدة ومزمنة ودائمة، وأفسدت العلاقة مثلما حدث إبان لقاءات مصر والجزائر فى تصفيات كأس العالم.

ولا أتذكر أن جمهوراً عربياً بلغ به الغضب والكراهية لدرجة أن يكلف نفسه عناء الانتقال من بلده إلى بلد آخر ليكيد لفريق عربى ثالث.. كيف وصلت الكراهية إلى هذه الدرجة الخطيرة؟ .. وماذا يمكن أن يحدث لو أن مصر مثلا تعرضت لمخاطر بعيدة عن الرياضة أو دخلت نزاعا من أى نوع مع دولة أخرى، هل سيتصرف الجزائريون مثلما تصرفوا فى الرياضة؟.. هل احترقت العلاقة المصرية الجزائرية بنيران رياضية ولم تستجب لمحاولات التصالح والتسامح ومظاهر عودة الوئام حتى على المستوى الرسمى؟ .. هل فقدت مصر والجزائر وفقدت الجزائر مصر بسبب مباراة؟ .. وهل تدنى الوعى لدى شعبين عريقين كبيرين يتمتعان بتجربة حضارية وتاريخية ونضالية وثقافية؟

انتظرت المباراة لأرى ترجمة لهذه المعلومة.. لكن قلت لنفسى كيف سأعرف أن جمهوراً جزائرياً فى المدرجات ينتظر خسارة الأهلى قبل أن ينتظر فوز الترجى.. فالأعلام المرفوعة جميعها سوف تكون للترجى ولن أسأل كل مشجع عن هويته.. وعندما دخلت استاد رادس كنت مأخوذا فى البداية بامتلاء المدرجات قبل وقت طويل من بدء المباراة، ولم أتذكر ترقبى لكشف وجود الأشقاء الجزائريين.. ولم أذكر نفسى بذلك بل ذكرتنى أعلام الجزائر، وهى ترفرف منتشرة فى المدرجات، وتخيلت أن هناك ملاحقة للفرق المصرية من الجماهير الجزائرية فى كل مكان وهى ظاهرة جديدة أرادت أن تعبر عن نفسها ولا تعير انتباهها لمواقف العقلاء الذين على ما يبدوا فشلوا فى صد هجوم الغوغاء ضد روابط البلدين على مر التاريخ.

ثم فاجأتنى لقطة بدت لى وكأنها نهاية مثيرة لفيلم لم تكن متوقعة، فأضافت إلى المباراة اتساعاً فى مجال الرؤية بالنسبة للعلاقات العربية ـ العربية التى أصبحت هشة وحساسة لدرجة أن يتقاذفها العداء كما يتقاذف اللاعبون الكرة.. رأينا مشجعاً جزائرياً يحمل علم بلاده وينزل إلى الملعب عقب صافرة النهاية ويجرى ملوحاً بالعلم تصاحبه صيحات مثيرة من المدرجات، وذهب فى اتجاه المرمى الذى أحرز فيه الترجى هدف الفوز ثم أتى ببعض الحركات البهلوانية فى إشارة إلى فرحته.

خرجت من الاستاد، وأنا على يقينى أن الجمهور الجزائرى دائم الابتكار فى رسم خريطة العداء بينه وبين الفرق المصرية، وأنه مستعد لملاحقتها أينما ذهبت.. أما حكاية الانتماء العربى وأخوة الدين والدم فقد دخلت المتحف لمن يريد أن يتذكرها من الأجيال القادمة ويترحم عليها و"يمصمص" الشفاه اندهاشاً من الحاضر المر.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة