محمد عبد الرحمن

الأمانة والدعارة

الأحد، 24 أكتوبر 2010 07:49 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأت الحكاية مع سائق التاكسى عندما سألته عما يفضله من السيارات، وعلى عكس المتوقع اختار أحد الأنواع رغم أنه كان يقود غيره، لكن السبب كان مقنعاً فهو يمتلكه ولكن ملاكى.!!

توقعت على الفور أن الرجل وراءه قصة مختلفة، فمن الصعب أن يمتلك سائق تاكسى سيارة ملاكى بينما يقود هو سيارته الأجرة طول اليوم، فهل يدخرها لفسحة الويك إند مع أسرته التى لا تريد ركوب التاكسى الأبيض؟

سريعا وكما هى عادتى فى الآونة الأخيرة قررت أن أطلب منه رقم المحمول لعلى أحتاج إليه فى مشوار خارج القاهرة، لكننى أجلت هذه الخطوة حتى نهاية المشوار كى لا أقطع شرح الطريقة التى حصل بها على فيرنا ملاكى اتضح أنه لم يدفع فيها مليما واحدا حسب روايته ولأن الحكاية بدأت قبل عشرين سنة وأنا سمعتها فى عشرين دقيقة فلابد من الاختصار.

فى منتصف الثمانينيات وقبل الزواج والإنجاب تعرف على ثرى سعودى تعطلت سيارته فى مدينة نصر مع أسرته، الرجل يأتى إلى مصر ويحبها وله فيها أملاك وعلاقات لا حصر لها، وعندما اتخذه سائقا خاصا فى زياراته القاهرة وضعه فى الاختبار الأول والأخير، حيث ترك له مفتاح خزنة فى شقته الخاصة كان بها 800 ألف جنيه فى ذلك الوقت وغاب لمدة عام معتمداً على علاقاته القوية مع رجال الأمن إذا سرقت الخزنة وعندما عاد ووجد التراب يحيط بالخزنة تأكد من أمانة السائق وبدأت علاقتهما الطويلة التى ما تزال مستمرة ومن خلالها اشترى الفيرنا وكتبها باسمه لاستخدامها عندما يصل مجددا للقاهرة.

هذه الخزنة لا يعرف عنها أولاد الرجل السعودى شيئا بالتالى ما فيها من أموال وأوراق سيئول للسائق عندما يتوفى الرجل كما أوصاه، الأموال لك والأوراق إلى الجحيم، والأوراق معظمها مرتبط بعلاقاته النسائية، وعندما قلت له يبدو أنه من السعوديين المحبين لمصر بشدة، قال إن السبب يرجع إلى أن مصر أمان بالنسبة للسياح العرب فلا أحد يعترضهم والرجل كان من المقيمين فى أحد الفنادق الشهيرة بالدقى وعلاقاته قوية بكل من فيه بالتالى كان يستطيع اصطحاب من يشاء معه إلى أعلى دون أن يعترضه أحد.

طوال الحديث عن علاقته القوية بالرجل مع بعض الأسئلة التى كنت أفتح من خلالها زاويا جديدة فى الحوار لم يقر بأنه كان يشارك فى توفير المتعة للثرى السعودى لكنه فى الوقت نفسه لم يدن سلوكيات الرجل، كان يتكلم من منطق مختلف تماما، وهو أن يؤدى عمله بإتقان مع الرجل وبأمانة شهد بها الثرى السعودى على مدار عشرين عاما، لكنه لا ينتقد سلوكياته، تناقض أظنه بات موجوداً فى معظم المصريين، وأكده لى عندما قال أنه تلق دعوة للحج على حساب الثرى وزوجته، والأخيرة حاولت ذات مرة أن تعرف ماذا يفعل زوجها عندما يكون بمفرده فى القاهرة، فطلبت منه أن يذهب بهما إلى الأماكن التى يزورها الزوج ولا يعرفها إلا السائق، ولبى طلبها من الحسين إلى قهوة الفيشاوى إلى جامعة الدول العربية، والسيدة صامتة من مكان إلى آخر والزوج لا يعلق، وفى النهاية قالت له "هى دى الأماكن" فقال لها "أيوا يا أم فلان ولو كان زوجك يذهب إلى أماكن أخرى زى اللى فى بالك لتركت العمل معه على الفور"، وبينما هو عائد بمفرده اتصل به الرجل ليشكره على حسن تصرفه وقال له "فى فلوس أد إيه فى التابلوه" ليرد السائق الأمين "2500 جنيه" حصل يومها عليها جميعا كهدية لأنه حمى رقبة الثرى السعودى من انتقام زوجته لو اعترف بالحقيقة.

أخيراً بين هذه الحكايات جاءتنى مكالمة هاتفية ذكرت فيها إغلاق القنوات الدينية التى روجت للفتنة الطائفية، ليفاجئنى مرة أخيرة بأنه أعطى لابنته درساً فى كيفية احترام صديقتها المسيحية، لاقتنع من جديد أن الشخصية المصرية باتت فى حاجة لمحلل نفسى من نوع خاص، يكون قد درس التناقضات البشرية بعناية قبل أن يبدأ عملية التحليل.

عندما وصلنا لم أكن بحاجة لسماع المزيد عن حكايات الرجل الثري، كانت الأجرة حسب العداد 34 جنيها، وأعطيته 40 جنيهاً لأقول له بشكل غير مباشر - أو هكذا توهمت- أن مصر بها أيضا من يدفع بسخاء، ثم قررت بلا تردد أن أغادر السيارة دون أن أحصل على رقم المحمول.

• صحفى بمجلة صباح الخير .








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة