د. خميس الهلباوى

الإدارة الحديثة قبل "الكاريزما" دائما

السبت، 23 أكتوبر 2010 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صحيح أن الفارق بين الدول أو المؤسسات الناجحة وتلك الفاشلة، يتمثل فى عنصر الإدارة أو القيادة التى تقود الدولة أو المؤسسة، فالإدارة عندما تكون سليمة وذو كفاءة عالية وعلم، تحقق النجاح والتقدم والرقى للدولة أو المؤسسة، وحينما تكون الإدارة غير سليمة وفاشلة يتحقق الفشل للدولة أو للمؤسسة.

وينطبق هذا على الإدارة بصفة عامة سواء كانت إدارة دولة أو إدارة مؤسسة اقتصادية أو شركة صناعية أو بنك، أو مشروعات ثقافية وجامعات أو غيرها من المشروعات.
وتنطوى الإدارة على علم وفن الإدارة والقيادة فى نفس الوقت، وهذا العلم ناتج مثل كل العلوم عن تجارب عملية وحقائق وممارسات وخبرات، بعد أن تم تجميعه وتنسيقه وتبويبه وتنقيحه وأصبح يدرس فى الجامعات وعلى وجه الخصوص فى الجامعات الأمريكية منذ منتصف القرن العشرين، وبالرغم من تجارب عالمية كثيرة فيما يتعلق بالصفات الشخصية الطبيعية للمدير أو القائد مثل الكاريزما الشخصية، فإن التجارب اثبتت أن الكاريزما الشخصية ليست كافية لتحقيق النجاح دائماً.

إن الكاريزما الشخصية قد تكون كارثة بدون استخدام العلم والخبرة، وتؤدى إلى ديكتاتورية تطيح بالدولة أو المؤسسة، والدليل على ذلك تجارب من بينها تجربة الثورة المصرية فى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وتجربة الرئيس صدام حسين فى العراق.

فقد كان الزعيم جمال عبد الناصر يتمتع بشخصية كاريزمية طاغية، وعندما استبدلت الثورة عناصر الخبرة والعلم بعنصر الثقة فقط بعد عمليات التأميم والثورة على الاقتصاد الرأسمالى، وتم تحويل النظام الاقتصادى إلى النظام الشمولى بعد أن كان نظاماً ملكيا برلمانياً رأسماليا، فقد فشل الاقتصاد كما فشلت المنظومة الإدارية بصفة عامة، ولم تنجح الشخصية الكاريزمية للرئيس جمال عبد الناصر، إلا فى تأجيج وإلهاب روح الوطنية، بدون تخطيط وبدوافع مصطنعة من الاستعمار، مما أدى إلى توجيه طاقة تلك الوطنية إلى الحروب والمشاكل غير المفيدة، بتخطيط ذكى من دول الاستعمار أيضاً، كان يؤدى دائما إلى نتائج عكسية، بدلا من زيادة الإنتاج والتقدم التكنولوجى والعمل على رفاهية الشعب المصرى، ولو كانت استمرت الثورة فى الاهتمام بالتقدم الاقتصادى والتكنولوجى، واستفادت بالخبرات التى كانت متوفرة قبل الثورة وبالعلم والذكاء الذى يتمتع به أبناء مصر المخلصين الذين تتكدس أبحاثهم فى أدراج المركز القومى للبحوث وغيره من مراكز البحث، لاستفادت مصر أكثر بروح الوطنية المتأججه التى أثارها وحركها فى ضمير الشعب المصرى الزعيم الراحل، ولتغير الحال وتغيرت النتائج عن الظلام الذى نعيش فيه الآن، ولكن قدر الله وما شاء فعل.

وبالنسبة للإدارة الاقتصادية، وفيما يتعلق بإدارة المشروعات الاقتصادية، فإننى أبدا بالإجابة عن السؤال الآتى: ما هو معيار النجاح فى إدارة المشروعات الاقتصادية،‏ وكيف تعمل الإدارة الاقتصادية الناجحة فى ظل اقتصاد السوق؟

قمت بدراسة إدارة الاعمال فى الولايات المتحدة الأمريكية،‏ وحصلت من بين دراساتى على شهادة إتمام علوم الماجستير فى إدارة الأعمال ‏(MBA)‏ وهى فعلاً جواز المرور للارتقاء إلى مركز الإدارة العليا فى معظم الشركات والمؤسسات وغيرها‏ فى الولايات المتحدة الأمريكية.‏

ولاحظت أن نظام التعليم فى الولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا فى الجامعة لا يشبه الدراسات النظرية الفاشلة فى جامعات بعض الدول المتخلفة ومنها مصر، ولكن ذلك النظام يلزم الجامعات بمساعدة المؤسسات والتعاون معها للتقدم بكفاءة فى التطبيقات العملية للنتائج العلمية، ولهذا يقوم رجال الأعمال الأمريكيين بدعم تلك الجامعات بتقديم المنح والإمكانيات اللازمة لإنشاء معاهد للتعليم بما فيها علوم إدارة الأعمال، ومن هنا ظهرت علوم الإدارة فى الجامعات الأمريكية‏ بشكل مكثف.

ومن المعروف أن هناك من المديرين الناجحين الكثير فى الولايات المتحدة، ومنهم مستر ديفيد نيلمان مدير شركة للطيران الداخلي، جت بلو، (Jet Blue) David Neeleman Reinventes Airline الذى قام بشجاعة بقيادة شركته من الفشل إلى النجاح، حيث غير أسلوب وبرنامج الشركة، عندما هددت بالتوقف، وذلك عندما واجهت صناعة الطيران الأمريكية تحد شديد القسوة والصعوبة، عقب حادثة تدمير مركز التجارة العالمى فى 11 سبتمبر 2001، وألغيت معظم الرحلات الداخلية والخارجية للطيران بالولايات المتحدة، مما ترتب عليه توقف معظم شركات الطيران الأمريكية، فقام بجرأة شديدة وبسرعة شديدة أيضاً بمد نشاط الشركة إلى غرب الولايات المتحدة، بعد أن كانت تخدم فقط المنطقة الشرقية الساحلية للولايات المتحدة فقط، بعد أن قام بإضافة خدمات جديدة ومميزات جديدة لخدمة الركاب مثل إضافة تليفونات لكل كرسى، وصرف وجبات غذائية، وغير ذلك من التصرفات الجريئة، وحل بذلك محل الشركات التى توقفت أو تقلص نشاطها، واستخدم عدة أدوات للنجاح فى الخروج من الأزمة ومنها:

1- خفض قيمة تذاكر الطيران. 2- أنشأ خدمات طيران إضافية، ومد خطوط خدماته إلى مناطق ومدن أكثر من ذى قبل، مثل واشنطن العاصمة وولاية أوكلاند ومدينة لونج بيتش بولاية كاليفورنيا. 3- قام بإضافة وحدات تليفزيون لكل مقعد فى الدرجات الموحدة، والغير متوفرة فى شركات الطيران الأخرى، وقام باتخاذ قرار بتوزيع شيبسى ومشروبات للمسافرين. 4- استخدم أشخاص أكفاء على طائراته لخدمة الركاب بتميز ملحوظ. 5- وأكثر من هدا، فقد قامت الشركة بتركيب أبواب ضد طلقات الرصاص لحماية ركابها، وأدى كل هذا إلى أن أصبحت شركة الطيران الأولى بين شركات الطيران الوطنية الأمريكية ليس سنة 2001 فقط ولكن فى السنوات التالية أيضاً فالقائد الناجح يستطيع إيجاد الأسباب والوسائل لنجاح شركته ومؤسسته أودولته حتى ولو كانت فى ظروف سيئة.

ومن المعروف أن نجاح الإدارة يتمثل بالدرجة الأولى فى "تعظيم العائد على الاستثمار" سواء كان فى شكل أرباح أسهم أو خلافه، وتعظيم العائد يتم عن طريق خفض عناصر التكلفة ورفع عناصر الجودة وزيادة أرقام المبيعات بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية، ورفع مستوى المعيشة وزيادة رفاهية وأمن المجتمع بالنسبة للأمم.

والإدارة الناجحة لايشترط أن تكون متخصصة فى نشاط اقتصادى معين حيث أن قواعد الإدارة الناجحة واحدة، وقد تغلبت اليابان على الولايات المتحدة وتقدمت عنها فى إدارة صناعة السيارات فى القرن العشرين لأسباب مختلفة منها:
1- تغيير نظام الإنتاج فى اليابان من تصنيع الأجزاء فى أماكن متفرقة متباعدة عن بعضها، إلى عمل تجمعات صناعية لإنتاج أجزاء السيارات لتخفيض تلكفة النقل وسهولة الاتصالات والتعديلات بين صناع الأجزاء ومصانع تجميع السيارات.
2- التركيز على إنتاج السيارات صغيرة الحجم، حيث كانت الولايات المتحدة تركز على إنتاج السيارات الفارهة.

3- أدت مشكلة البترول خلال وبعد حرب 1973 إلى نقص وقود السيارات وارتفاع أسعاره فى العالم مما أدى إلى عزوف مستخدمى السيارات الفارهة عنها وشراء السيارات الصغيرة التى قامت اليابان بالسبق فى إنتاجها، مما دفع جنرال موتورز إلى التعاقد مع الشركات اليابانية ومشاركتها بحيث تقوم الشركات اليابانية بإنتاج السيارات الصغيرة للشركة الأمريكية وتقوم الشركة الأمريكية بإنتاج السيارات الفارهة لها وللشركات اليابانية، وذلك لصعوبة استبدال التجهيزات الرأسمالية والآلات لصناعة السيارات لضخامتها فى المدة القصيرة.

ومن هنا يتضح أن الإدارة الحديثة أصبحت تعتمد على فن وعلم وخبرة واستخدام خبراء متخصصون فى صناعات معينة وتطوير الصناعة عن طريق العلم، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية نفسها وطبيعة الدورة التجارية العالمية والتى من ظواهرها كما لاحظنا أنها تاتى كل عشر سنوات تقريباً.

أما القول بأن الإدارة الحديثة أصبحت تعتمد فقط على القوائم المالية دون النواحى والجوانب الأخرى فنية وتسويقية وغيرها، فهو رأى أكاديمى قابل للنقاش وليس بالضرورة أن يكون صحيحا، والدليل على هذا القول أن الصناعة الأمريكية قامت على خبرات وقدرات أفراد تجمعت لديهم الإدارة الكلية، مشتملة على فنون وعلوم الإدارة المختلفة بجانب النواحى الفنية والتسويقية ...إلخ.

ومن المعروف أن الصناعة الأمريكية مازالت تقوم على الإدارة بمفهوم إدارة شركة فورد،‏ ودى بونت،‏ وكارنجى،‏ وشركة بنسلفانيا للسكك الحديدية،‏ وجنرال إلكتريك، وجنرال موتورز،‏ وكوكا كولان وبيبسى كولا وغيرها‏، حيث قامت الإدارة فى معظمها على خبرات أبنائها التى اكتسبوها من نفس الشركات مع الاستفادة من نظام التعليم الأمريكى.

ومن البديهى أن الاعتماد على كفاءات متخصصة فى الأعمال المالية فقط دون أن تكون لهم تجربة مباشرة مع طبيعة الصناعة‏، يتسبب فى فشل النتائج إلا لو تم استخدام خبراء فى كافة المجالات، وقيام جنرال إلكتريك وجنرال موتورز فى استخدام مديرين متخصصين فى الإدارة المالية من خريجى أشهر مدارس إدارة الأعمال، لايعنى بأى حال عدم وجود الخبرات الفنية والتكنولوجية.

أما القول بأنه لابد بالضرورة الأخذ بالاعتبارات المالية فى المصروفات والإيرادات والربح والخسارة فقط دون الأخذ فى الاعتبار مسألة الجودة، فهو كلام غير صحيح وتلزمه الدقة، حيث يشترط وجود الخبرات الفنية اللازمة لتعظيم الجودة فى المنتج، لأنه ببساطة لن يباع المنتج سيء أو منخفض الجودة، وقد تكون الأحوال مختلفة فى المؤسسات التى لا تسعى إلى الربح، بحيث تكون جودة المنتج أو الخدمة هى الأساس بصرف النظر عن الربح أو الخسارة، ولكن فى هذه الحالة يجب ان لايكون هناك مساهمون من القطاع الخاص لأنهم سينقلون أموالهم إلى استثمارات أخرى أكثر ربحاً.

وعلى هذا لابد من الارتقاء بالجودة فى المؤسسات التى تسعى إلى تحقيق الربح، وإلا تفقد أسواقها فى المدة الطويلة، ولا غنى عن الإدارة المالية فى الإدارة الحديثة والقديمة كأداة لقياس نتائج النشاط تاريخياً، وفى نفس الوقت التحكم فى أرقام المصروفات والإيرادات ورقابة التكاليف خلال العمليات الإنتاجية، ولا بد من الاهتمام بالتطور التكنولوجى فى إدارة العمليات الإنتاجية، والاهتمام بالجوانب الإنسانية، وهى وظيفة هامة من وظائف المدير الناجح، وعامل مهم لولاء العمال للمؤسسة التى يعملون بها، حتى تدفع العاملين لمحاولة الإبداع، والمحافظة على الخامات ووقت العمل، أى ان الولاء والاهتمام بالجوانب الإنسانية يعتبر أحد مهارات الإدارة الناجحة.

إن قواعد القيادة والإدارة يمكن تطبيقها فى المؤسسات والمنظمات التى تهدف إلى الربح، وأيضا فى المؤسسات و المنظمات التى لا تهدف إلى الربح على حد سواء، ولكنها دراسة تأخذ فى الاعتبار مستقبل المؤسسات، والهيئات المختلفة فى القرن واحد والعشرين.
* دكتوراه فى الإدارة ورجل أعمال.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة