أحمد الخولى يكتب: السيدة صاحبة الخمار

السبت، 23 أكتوبر 2010 08:44 ص
أحمد الخولى يكتب: السيدة صاحبة الخمار

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن أنساها ما حييت، ولن أنسى هذا اليوم، يوم تجمع الناس من كل حدب وصوب للصلاة فى أكبر صلاة جنازة شهدتها فى حياتى، الحصر والسجاجيد فى كل مكان.

وفى المساء نصب صوان أكبر من صوان مؤتمر نائب دائرتنا أثناء حملاته الدعائية، وغلب عدد حاضرين هذا العزاء عدد الهتيفة وكذابى زفة النائب الشهير، لأنه عزاء الست (مصرية)، لم أعرفها معرفة شخصية، كانت (رحمها الله) من عملاء صيدليتنا، صورتها تظهر أمامى الآن وأيضا وجهها الصبوح النورانى، أتذكر دعاءها لى بالصحة والبركة بعد أى نصيحة أواستشارة أقدمها لها، نصائحها ترن فى أذنى الآن (لازم تفضل تتعلم لأنك مهم جدًا للناس، أنت أقرب واحد متعلم تعليم عال للناس، لأن شغلك وسط الناس فى الشارع اللى يفرقك عنهم فقط الرصيف، أوعى تفوت الصلاة وما تخافش على رزقك..)، أفتقد وصفها لنفسها لتذكيرى بشخصها عندما تحادثنى تليفونيًا(أنا الحاجة اللى بتجيلك لابسة خمار)، كانت (الست مصرية) حديث الساعة فى هذا اليوم ولأيام تلتها، لا يدخل على أحد إلا والحزن فى عينيه وذكر فضل السيدة الفاضلة على لسانه، هذه تذكر تربيتها لها وهى صغيرة، وتلك تذكر لى وقفة المرحومة ضد شيخ الزاوية المتشدد الذى ملأ صدور وعقول الشباب بالتطرف والجهل، حيث حرم الثقافة وخروج المرأة للعمل ومشاهدة مباريات كرة القدم ودراسة لغات الفرنجة الكفرة، وبعدها حثهم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأن يكونوا قويى الإيمان ولا يلجأون لأضعف الإيمان فى دعوتهم، وساد الإرهاب تلك الأيام، ولم ترض هذه المهانة الست (مصرية) وخرجت لعملها فى المستشفى غير عابئة بالشيخ ومريديه وفى عودتها فى بداية النهار اليوم التالى، وجدت الشيخ وجماعته فى انتظارها أسفل منزلها، ولما رآها قادمة صرخ فيها(إنت ياولية مسمعتيش التعليمات.. إنت مصممة على معصيتك لله.. ده آخر إنذار ولو اتكرر ده تانى هقيم عليك حد الله..)، قاطعته بصوت قوى(وانت مين أصلا علشان تقيم حد الله.. وبعدين هو الله سمح لفضيلتك إنك تستنى ست وإنت وشوية شباب تحت بيتها، هو ده تسميه إيه يا شيخ.. و بعدين أنت مين أصلا علشان تقولى رايحة فين وجاية منين، أنا عارفة حدود الله أكثر منك لأنى حافظة للقرآن وعارفاه كويس زى ماأنا عارفة كل عيل من العيال الصيع دول.. اللى فى منهم أنا مربياه فى بيتى مع ولادى، وفيهم اللى اتولد على إيديا) ثم التفتت للشباب وقد خفض جميعهم أعينهم فى الأرض، وقالت لهم بغضب وحزن الأم: لو معقلتوش وبطلتم صياعة مع شيخ المنصر ده والله ما لسانى ده هيخاطب لسان أى واحد فيكم وأكون غضبانة عليه ليوم دين، وتركتهم وصعدت لمنزلها، ومنذ ذلك اليوم انتهت جماعة هذا الشيخ الذى شد رحاله بعيدًا عن شارعنا.

ليس هذا أكبر فضل للست مصرية على أهالى شارعنا، كان هناك موقف علمت به الرجال قبل النساء، علمتهم معنى أن تكون مصريًا موضوعيًا وليس اسما فقط –كما قال لى راوى هذا الموقف-حين وقفت أمام جبروت عضو مجلس الشعب، الذى ظن أنه فعلا اشترى الناس بـ150 جنيهًا وزعها على كل فرد أثناء دعايته الانتخابية، وقفت ضده لكى تمنع بناء مصنعه وسط منطقتنا المكدسة بالسكان، ولقد كلفها هذا الوقوف صحتها وربما عمرها أيضًا.

كانت بداية المواجهة فى مقره الانتخابى عندما زارته مع نفر من كبار أهل المنطقة وأبدوا انزعاجهم ببناء المصنع وسط السكان، وقد كان رد فعل النائب ابتسامة صفراء ورد مقتضب أنه سيدرس الموضوع، وسيبلغهم رده، ولكن طال انتظارهم لرد السيد النائب فاقترحت (الست مصرية) رفع دعوى قضائية ضده.. فانتكس معظمهم عن هذا الاقتراح خوفًا منه خصوصًا أنه محام شهير وأن القانون لعبته.. خافوا ولم تخف وأقامت الدعوى ضده، توالت الجلسات، وأيام والست مصرية قوية المواجهة لأن الله وفقها فى محام شاب بارع وهو ربيبها أثناء طفولته، وبدأ النائب يشعر ببداية ضعف موقفه فكرر اللعب من تحت الحزام، حيث استطاع إيقاف علاج الست مصرية على نفقة الدولة بحكم قضائى، وبموجب هذا القرار وقف صرف حقن الإنترفيرون (علاج فيروس سى الذى أصابها من خلال عملها كممرضة فى المستشفى وعلى إثره أحيلت للمعاش) بحجة أن التقارير الطبية تؤكد عدم حاجتها له ويمكن السيطرة على مرضها بمنشطات الكبد، وساومها النذل على أنه سيقوم بشراء 100 علبة إنترفيرون لتكمل بها علاجها مقابل التنازل عن دعواها ضد بناء مصنعه، وجاءه ردها قويًا (إن العمر والصحة أمانتان لله عندى وله أن يردهما وقتما شاء، واعلم أن الشفاء ده من عنده ومش عند الدواء.. وبعدين إزاى عايزنى أطمن على نفسى من دواء إنت جايبهولى مقابل أن أتنازل عن حق الناس أهالى المنطقة فى إنهم يعيشوا من غير أمراض تبهدلهم طول عمرهم).

طرد النائب شر طردة من منزلها مرسلا وعيده لها عبر صيحاته وفقت تنظر إليه من شرفتها بمنتهى الشموخ ثم رفعت يديها (اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك)، وما هى إلا أيام معدودات إلا وحلت الطامة الكبرى على رأس الظالم، لقد قبض على ابن النائب يتاجر بالمخدرات متلبسًا، وشغلت هذه القضية الرأى العام، وصارت فضيحة النائب على كل لسان، وتبع ذلك انهيار تام للنائب سياسيًا واقتصاديا وأدبيا وبالطبع خسر قضيته أمام الست مصرية.

رحمة الله على الست مصرية التى كنت أعرفها بالسيدة صاحبة الخمار ولم أعلم اسمها إلا فى عزائها، ولم أعلم معناه إلا بعدما عرفت مواقفها.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة