عفواً أيها السادة فقد تبدو هذه الكلمات كلمات وجمل إنشائية عكس الواقع الذى نعيشه، ولكنها حقيقة راسخة بداخلى رغم أن بعضكم قد يتهمنى بالنفاق أو الرياء.
ولكن لو كان النفاق والرياء فى حب بلدى، لكان هذا أعظم نفاق وكان هذا أعظم رياء، لأنى لا أخفيه وأظهره علانية، نعم أنا مصرى.
مصرى لا أحلم يوماً بخيانة بلدى أو أن أتكلم عليها كما يتكلم الآخرون، مصرى بار بوطنى، لم أصمت على ظلم، ولن أستسلم لسلبيتى كما فعل غيرى.
لم أعش خارج مصر وأهاجمها، لم أزرع الفتنه بين طوائفها، لم أشعر بضآلتى أمام سلطان من يحكمنى، بل أشعر بقوة لا أعلم من أين أستمدها.
كلما أمسكت القلم لأكتب كلمة حق، تساورنى بعد الوساوس فى أن أراجع نفسى فيما أكتب، خوفاً من العقاب المحتمل، ولكنى أعود وأكتب ولا أبالى عقاب من أنتقده.
أكتب عن القضايا الشائكة وكل ما أتمناه أن تدخل هذه الكلمات القلوب الغافلة عن حب مصر، وأدعو الله أن يخرج المصريين من سباتهم العميق وسلبيتهم إزاء ما يحدث فى بلدهم.
رغم أنى لبعض الأوقات تمر عليا لحظات يأس وهزيمة، وتتملكنى أحلام الغربة والهجرة وأبدأ فى الخطوات الأولى ولكنى أعود سريعاً لرشدى.
وأسأل نفسى سؤالاً؟
إن الله كما اختار لنا والدنا ووالدتنا وأشقائنا دون تدخل منا، وزرع فينا حبهم أيّاً كانوا، فقراء أم أغنياء، متعلمين أم لا، سمر أم بيض، لم نسأل يوماً أنفسنا هذه الأسئلة نحوهم بل نحبهم كما هم.
فالله كذلك خلق لنا بلادنا وخلقنا لها، فالكثير منا يعيش ويموت ولا يخرج من محيط بلده أو كفره.
ورغم ذلك تجد عنده الانتماء الشامل لهذا البلد، فهو أدرك ببساطته وعفويته أن الجزء كالكل، من أحب بيته أحب مدينته، ومن أحب مدينته أحب بلده، ومن أحب بلده أخلص لها.
حتى لا يصبح الحب مجرد كلمات على الأوراق، أو أشعار، الحب أفعال، فمن كان منا يحب هذه البلد فعليه أن يكون إيجابياً نحوها، وأن يلتزم بسلوكيات لا تسىء لها، وأن يشارك فى تطورها، ويقف لمن يظلمها، لا يدافع عنها فى الحروب فقط، بل يدافع عنها فى كل وقت.
مصر الآن كالأم المريضة التى تحتاج لكل أولادها بجانبها، لا تنظروا لمن خانوها، وأوصلوها لهذه الحالة من الضعف والهوان، ولكن انظروا لها ولأفضالها عليكم ولا تقولوا ليس لها أفضال علينا، فالماء الذى تشربونه ماء النيل ولو كان ملوثاً، والطعام الذى تأكلونه من خير أرضها ولو كان مسرطناً، فليست هى من لوثت الماء، ولا هى من سرطنت الغذاء.
هى المريضة مثلنا، وتعانى كما نعانى، عفواَ رغم حالة اليأس والإحباط التى قد تصيبنى وتصيب غيرى.
فأنا لم أحلم بخيانتها، وسأجلس تحت قدميها لأراعيها فى شدتها ومرضها.
حتى تعود كما كانت، ويجرى الدم فى عروقها من جديد، وتعود النضارة لوجهها الشاحب، ويمتلئ قوامها النحيل بالحيوية والنشاط.
أنا ذاهب إليها فمن منكم سيأتى معى ليجلس تحت قدميها ليراعيها معى؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة