كنت خارج البلاد عندما بلغنى نبأ اجتماع الرئيس بالمثقفين، فانشرح صدرى وقلت: ما أروع هذا! ليته يتكرر ولو مرة كل عام فهناك ولا شك ما يتعين الحديث إلى الرئيس بشأنه، وأحسب أن من المفيد جدا للقيادة أن تستطلع رأى المثقفين بين الحين والحين فهم عيون الوطن وعقله وروحه، ولا يتعين الاستغناء عنهم أو تهميشهم على أى نحو، لأن الاستماع إليهم والتحاور معهم ذا نفع بالغ، وتساءلت عن السر فى أن جماعة المثقفين من وجهة نظر وزارة الثقافة ما تزال ممثلة فى عدد قليل من الأسماء التى اعتادت أن تتصدر المشهد، وهم دائما وحدهم المثقفون.
على أية حال فقد تجاهلت هذه المسألة مؤقتا، فما يعنينى هو موضوع اللقاء وليس من حضر، وإن كان لا يخفى على أحد ارتباط الموضوعات بالحاضرين. ومن ثم حاولت أن أتخيل شكل الحوار وتوجهاته، بعيدا عن مسألة انتخابات مجلس الشعب والانتخابات الرئاسية، فأمكننى أن أتصور حميمية اللقاء، ثم إثارة عدد من القضايا الخارجية مثل التطلعات الإيرانية ومفاوضات السلام المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد ينتقل الحديث إلى الحراك السياسى المصرى المبشر وكوتة المرأة، وبالطبع حرية التعبير التى أصبحت دون شك من علامات النظام بصرف النظر عن حيوية وزارة الداخلية ويقظتها. كان الجو العام ولاشك وديا ومبتهجا تترقرق وتتعالى فيه الضحكات فرحا ولا شك بلقاء الرئيس وتمنيت لو كنت معهم. وتساءلت:
هل يا ترى تذكر أحد المثقفين أن يسأل سيادة الرئيس عن فلسفة النظام السياسى أو الرؤية الإستراتيجية للسياسة المصرية؟.. لابد أن هناك من سأل عن السر فى أعاصير الفساد التى تضرب كل ركن فى المحروسة، ومن السهل أن تكون الإجابة هى أن الدولة لا تتستر على أى فساد وليست بالطبع مصدرا من مصادره بدليل حكم القضاء بإبطال عقد مدينتى، وقيام الرئيس بإبطال عقد قرية آمون السياحية بأسوان والهبة المباركة التى واجهت مافيا الاستيلاء على الأراضى، وتحويل الاستيلاء عليها إلى حق انتفاع.
كنت على ثقة أن أحد المثقفين سأل عن السر فى تردى التعليم وهو أهم عناصر التنمية، ومن المؤكد أن منهم من عبّر عن عدم رضاه لأن الأمية تتزايد فى مصر رغم المليارات التى أنفقت عليها طوال ثلاثين عاما، ولن يفوت البعض أن يبدى بعض تشككه فى احتمال تعرض القاهرة للانفجار بعد أن هاجر إليها ربع سكان مصر، ويضيف آخر على استحياء شديد إلى العشوائيات التى تكاد تمثل ثلث سكان القاهرة التى أصبحت منهكة وواحدة من أكبر المدن القبيحة فى العالم.
لو كنت معهم لسألت بطل العبور عن السبب فى أن حرب أكتوبر المجيدة لم تخصص لها الدولة عشرات الملايين لإنتاج عدة أفلام سينمائية ضخمة تسجل الحدث وتكشف الدور الحقيقى الرائع لأبطال هذه الحرب، بدلا من الملايين التى تنفق على سهرات غنائية ورقص احتفالا بالذكرى السنوية للعمل الملحمى المعجز.
لو كنت معهم لسألت الرئيس عن أوضاع الفلاحين فى حقولهم وبيوتهم، ولسألت عن حقوق الإنسان المصرى التى يعرف سيادته أنها غائبة تماما ويتعرض المصرى البسيط للتنكيل فى كل مكان، داخل البلاد قبل خارجها.
لو كنت معهم لسألت عن البحث العلمى الغائب وميزانيته الهزيلة، وخاصة أن سيادته ذكر غير مرة أن المستقبل يعنى العلم، ولا مستقبل بدونه. ولو كنت معهم لسألت الرئيس الذى يقدر الثقافة والمثقفين عن سبب عدم قيام سيادته بتسليم جوائز الفنانين والأدباء والمفكرين على مدى عشرين عاما.
الهموم لا شك كثيرة، وإذا كان هناك خبراء فى كل تخصص فالمثقفون لن يتحاوروا فى الشعر والقصة والرواية والفنون وشتى ألوان الفكر بحكم تخصصهم، ولكنهم مؤهلون للحوار مع الرئيس حول الوطن وما يكتنف حاضره ومستقبله من مشكلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة