ناصر عراق

إلى متى نظل عالة على الغرب؟

السبت، 02 أكتوبر 2010 07:37 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يؤسفنى أن أذكرك بأن كل ما تستخدمه حضرتك الآن فى حياتك اليومية، ليس من اختراع العرب أو المسلمين. وسأعدد لك بعض هذه الأشياء لتتأكد بنفسك: الموبايل والكومبيوتر والتليفزيون والسينما والسيارة والقطار والطائرة والجريدة والإنترنت والكاميرا والأوتوبيس... واللائحة طويلة وممتدة.

كل هذه الأشياء وغيرها لا يمكن الاستغناء عنها الآن، كما يستحيل أن يمر يوم واحد من دون التعامل معها والاستفادة بها! ومع ذلك فنحن لسنا لها مخترعين، ولا حتى نبدى أى رغبة فى محاولة اللحاق بأولئك الذين ابتكروا – ومازالوا – هذه الأدوات والأشياء والآلات والماكينات التى وفرت الجهد والمال والوقت. وجعلت الحياة أكثر احتمالاً وجمالاً.
- لماذا ؟
- سأجيبك فوراً ...

لأننا مشغولون بقضايا لا توائم العصر، قضايا كانت تشغل بال أجداد أجدادنا، فى ذلك الزمن البسيط، الذى كانت الدابة هى وسيلة المواصلات الوحيدة. أما فى هذا الزمن المعقد، والذى يضج بصراعات لا حصر لها، ومطامع واختراعات ولهاث نحو السيطرة على العالم وكنوزه، فإننا مازلنا بكل أسف نعيد مناقشة الأفكار القديمة، ونبدد الوقت فى طرح أسئلة ساذجة من نوع ماذا نلبس وماذا نأكل وكيف ندخل المرحاض؟ وهل أسلمت كاميليا أم لا؟ وهل التعامل مع البنوك حلال أم حرام! الخ هذه القضايا التى تخاصم العصر، وتجافى المنطق. فى الوقت الذى يسخر فيه منا الذين يعملون وينتجون، ويصوبون رصاص عقولهم نحو بلداننا، فينهبونا ويفرضون سطوتهم علينا، بمساعدة أولى الأمر، تاركين لنا لذة الغرق فى مستنقع الماضى، والسباحة فى مياه آسنة حول أمور تجاوزها العالم المتقدم قبلنا بخمسة قرون على الأقل.

إن المرء ليعتريه العجب حقاً، حين يكتشف أنه لا توجد دولة عربية إسلامية واحدة متقدمة تستطيع أن تزاحم دول العالم الأول، أو الثانى فى احتلال المراكز الأولى من حيث التحضر والتقدم والبحث العلمي...الخ! فكلنا فى الهم شرق، كما يقول شوقى، وكلنا غارق حتى أذنيه فى وحل الأفكار البالية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع!

لا يغيب عن القارئ الفطن بطبيعة الحال دور الحكام فى جعل الشعب يمضغ خبز التخلف ليل نهار، ولا يفوتك أيضاً دور هؤلاء الذين أمسكوا بالسلطة فى مقاومة أى فرصة لتعليم الناس وتثقيفهم، فالديكتاتور ينزعج من الشعب المتعلم والمثقف! لأنه سيفكر ويطالب بحقوقه، ومع اعترافنا بالدور البائس للحكام فى استمرار تخلفنا، إلا أن ذلك لا ينفى أننا أصبحنا نتلذذ بهذا التخلف، وإلا أخبرنى بالله عليك: إلى متى ستظل عالة على الحضارة الغربية؟ وإلى متى سنستمر فى تناول فواكه هذه الحضارة من دون أن نفكر فى كيفية زرعها!

لا تقل لى من فضلك إن سبب تخلفنا يعود إلى ابتعادنا عن الإسلام، لأنى سأرد عليك فوراً: أى إسلام تقصد؟ إسلام محمد عبده وجمال الدين الأفغانى؟ أم إسلام حسن البنا ومهدى عاكف؟ أم إسلام أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى؟ فلكل من هؤلاء رؤيته للإسلام التى تختلف بصورة جذرية مع رؤية الآخرين. كما أننى مضطر لطرح هذا السؤال عليك: متى بالضبط فى رأيك ابتعدنا عن الإسلام، حتى يداهمنا هذا التخلف المريع؟ هل الآن؟ أم منذ خمسين عاماً؟ أم ابتعدنا قبل مائة سنة، أم أننا هجرنا الإسلام قبل خمسة قرون؟ لأننا بصراحة متخلفون منذ قرون، ولسنا الآن فقط، فقد احتلنا السلطان العثمانى سليم الأول سنة 1517، أى منذ 483 سنة. ولو كنا متقدمين علمياً وعسكرياً وفكرياً واقتصادياً آنذاك، ما استطاع هذا الغازى أن يسطو على مصر؟ كما أن نابليون تمكن من احتلالنا عام 1798، صحيح أننا قاومناه بشدة، وطردنا جيشه بعد ثلاثة أعوام، إلا أنه فرض نفسه علينا، والإنجليز كذلك كان لهم نصيب كبير من الكعكة المصرية والعربية.

باختصار... إننا ضعفاء ومتخلفون بما يكفى، حتى تجرأ علينا الكبار والصغار، وما أظن أن المشكلة تكمن فى ابتعادنا عن الإسلام، بل فى كيفية فهمنا له، فإذا اتفقت معى على أن هذا الدين الحنيف يحض الناس على طلب العلم، وعلى مقاومة الظلم، وعلى إعمال العقل وعلى الانكباب على العمل وإتقانه، وعلى القبول بالآخر، والمجادلة بالتى هى أحسن، وعلى محاربة الخرافة والخزعبلات، فأنا أتفق معك تماماً وأشهد بأن كثيراً منا لا يتعامل مع الإسلام العظيم بهذه الروح البديعة، بل يختزل هذا الدين القيم فى الملبس والمأكل وفى الإنصات إلى عشرات الدعاة الذين يملأون الفضائيات بآراء وأفكار ضد المنطق، ويشغلون الناس بسرد حكايات مرت عليها قرون، لا تفيد إنسان هذا الزمان ولا تدفع المجتمع خطوة إلى الأمام. (أفتح هذا القوس لأخبرك أن العلماء فى الغرب اكتشفوا قبل يومين فقط كوكباً بحجم الأرض خارج المجموعة الشمسية يصلح للحياة، فانظر أين هم وأين نحن؟).

المثير أننى كلما شاهدت الناس غارقة حتى الثمالة فى طرح قضايا من نوع كيف ندخل الحمام؟ تذكرت قول الشاعر العظيم المتنبى قبل ألف عام حين صرخ:
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة