فى حوار بين المذيعة القديرة رولا خرسا وبين الدكتور أحمد زكى بدر وزير التعليم، عن تطوير التعليم فى مصر على قناة "الحياة" يوم الثلاثاء الموافق 28/ 9/ 2010، لاحظت أن الوزير كان مهتماً بمشكلتين أساسيتين وهما: مشكلة الكتب الخارجية، ومشكلة الدروس الخصوصية، وبلا شك أن هاتين المشكلتين تسببان إرهاقا للأسرة المصرية، ولاسيما مشكلة الدروس الخصوصية. ولكن ما هو الهدف من هذا الإصلاح أو التطوير كما تمت تسميته؟
المطلوب لمصر بإلحاح هو إصلاح ونشر التعليم بصفة عامة باعتباره القاطرة الرئيسية، والمدخل الحقيقى للإصلاح الاقتصادى والسياسى وتقدم الدول، إن ما يثار الآن هو فقط ضبط النظام المدرسى بمعنى تعديل مساره سلوكيا وأخلاقيا من ناحية، وتعظيم دخل الحكومة بفرض سداد حقوق الملكية الفكرية، وفقا للقانون الدولى للملكية الفكرية من الناشرين للكتب الخارجية!، وإذا كان للحكومة حقوق ملكية فكرية لدى الناشرين، فكان من الممكن أن تفرض وتحصل وفقا للقانون الدولى والقانون المحلى بدون إحداث الارتباك الناتج عن وقف طبع الكتب المدرسية التى لا نرى فيها أية فائدة وفقا للنظريات الحديثة فى التعليم، فمن المعلوم أن محور التعليم والنظام التعليمى فى مصر يدور حول الحفظ، والحفظ فقط وقد يكون بدون فهم، وهذا لا يهم القائمين على التعليم بقدر الحفظ، وبهذا انقلب الشعب المصرى الذى يرغب فى التعليم فى المدارس الحكومية إلى ببغاوات تردد فقط ما هو مدون فى الكتب، ولا يهم أن تفهم أو لا تفهم ما تحفظه، فى الوقت الذى تعتمد النظم التعليمية فى العالم أجمع على الفهم، والاستنباط والابتكار والإبداع، وفى الدول التى ترجوا حكوماتها خيرا لشعوبها يقومون بوضع الخطط المتكاملة لمستقبل تلك الشعوب بحيث يتناسب نوع ومستوى التعليم مع متطلبات الاقتصاد، وهى الثغرة التى تسببت فى تخلف مصر مئات السنين.
بلا شك أن مجانية التعليم وعشوائية خطط التربية والتعليم منذ بداية الثورة وحتى الآن تسببت فى زيادة كثافة عدد الخريجين من المدارس الثانوية والجامعات، حيث لم ولا توجد معايير للقبول بتلك المدارس والكليات إلا مجموع الدرجات التى يحصل عليها الطالب، سواء كان قد استوعب ما درسه أو لم يستوعب شيئاً.
ونتيجة للمجانية العشوائية وللسياسات التعلمية والإصلاحية الخاطئة، أصبحت أعداد الخريجين تزيد كثيراً بطرق غير معقولة عن احتياجات سوق العمل فى مصر، فالسياسة التعليمية فى وادٍ والسياسة الاقتصادية فى وادٍ آخر، وفى النهاية يتخرج من الجامعات آلاف الشباب الذين يحملون أوراقاً ليس لها علاقة بواقع سوق العمل، مما يسبب إصابة الشباب باليأس من العيش فى مصر خوفا على مستقبلهم الذى يرونه مظلماً، فيضطرون للمخاطرة بحياتهم بطرق مختلفة مثل الهرب إلى بلاد أوروبا عن طريق وسائل غير آمنة مثل سفن الصيد البدائية مثلاً، ومن ينجح منهم يجد أن ما يحمله من مؤهلات لا يصلح إلا أن يعلق فى برواز أنيق على حائط الحجرة فقط ليس إلا، ويضطر هو للعمل فى أعمال يدوية مثل غسيل الأطباق، أو فى أعمال حقيرة متدنية أخرى لم يكن يتمنى أن يراها فى أى كابوس يمكن أن يحلم به، وأصبح المصرى حقيراً متشرداً خارج مصر بعد أن كان متميزاً بمهاراته وثقافته وعلمه وحضارته قبل قيام الثورة المباركة.
ولاحظت أيضاً اهتمام السيد الوزير بتحقيق ما وعد به السيد الرئيس فى برنامجه الانتخابى من زيادة عدد المدارس التى سوف تزيد من حدة المشكلة، أكثر من اهتمامه بجودة التعليم، وضرورة ملائمة ما يدرس فى مصر لاحتياجات سوق العمل، بالرغم من تصريح السيدة وزيرة العمل أن الوظائف الكثيرة المطلوب شغلها لا تجد موظفين لشغلها لأن الشباب يفضلون السفر للعمل بالخارج، وهى بهذا تظلم الشباب، لأن من يرفض تشغيل الشباب المصرى فى مصر، ليس الشباب أنفسهم ولكنه نظام التعليم الفاسد الفاشل، الذى يطبق فى مصر منذ قيام الثورة، والناتج عن سياسات عنترية عشوائية، حيث كان معيار القبول فى المراحل المختلفة حتى الجامعات والثانوية العامة والفنية، هو المجموع فقط، ولا يهم كيف حصل الطالب على المجموع، ولا إذا كان يفهم ما درسه أو إذا كانت لديه مهارات، أم لأ، بعد تعليمهم فى مدارس مثل الأماكن المهجورة التى ليس با معامل لتدريب الشباب ولا ورش ولا حتى أماكن لأى نشاط رياضى أو فنى.
وفى نفس الوقت، لم تراعِ فى أى وقت حاجة الاقتصاد المصرى لليد العاملة فى الصناعة أو الزراعة أو الخدمات، وترتب على هذا تراكمات رهيبة لحملة المؤهلات الدراسية عديمة القيمة، نظراً لضعف التعليم من جهة، مع تراكم هائل للوظائف فى الوزارات والاقتصاد المصرى بصفة عامة من جهة أخرى، بحيث لا يوجد أى ارتباط بين جودة ونوع تعليم الخريجين مقارنة بنوع الوظائف المطلوب شغلها.
وكان من واجب المخطط المصرى منذ بداية تطبيق النظام الشمولى الذى أفسد أكثر مما نفع، أن ينسق بين متطلبت الإصلاح الاقتصادى واحتياجات سوق العمل فى السنوات التالية، بحيث يكون هناك وظيفة تنتظر كل خريج ولكنه لم يفعل ذلك، وهذا سر من أسرار تقدم الأمم التى تطورت قديما مثل أوروبا الغربية وحديثا مثل ماليزيا والصين والهند...الخ وغيرها ماعدا مصر.
وعلى هذا فإن اهتمام السيد الوزير أو أى مصلح للتعليم فى مصر إذا أراد إصلاحاً حقيقياً للتعليم، أن ينظر بعين إلى جودة التعليم وتنمية مهارات الشباب أولا، وعين أخرى على خطط التنمية الاقتصادية المستقبلية هذا طبعا بعد أن يجدوا حلاً للمشكلة القائمة، أما مشكلة الإصلاح الفكرى فهى المصيبة الكبرى فى المقال القادم.
* دكتوراه فى إدارة الأعمال ورجل أعمال
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة