فى هدوء تام وبعيدا عن ضجيج الإعلام وفحيحه، تقوم الشركة القابضة لتوزيع الكهرباء بتعميم عدادات كهرباء جديدة تعمل بنظام الكروت المدفوعة مقدما مثل كروت المحمول، بهدف القضاء على ظاهرة التهرب من سداد الفواتير، أو سرقة التيار، أو باختصار شديد بهدف تحسين إيرادات الشركة التى تشكو من تراكم ديونها.
التجربة بدأت فى مصر قبل خمس سنوات تقريبا فى المناطق السياحية والشاطئية الراقية فى الساحل الشمالى، ثم وصلت إلى مناطق المنتجعات السكنية الخاصة بالنخبة فى السليمانية وغيرها، وأخيرا بدأ تعميم هذه العدادات على المجتمعات العمرانية الجديدة فى 6 أكتوبر والشيخ زايد والقاهرة الجديدة، كما وصلت تلك العدادات إلى شمال الدلتا خصوصا فى جمصة والمنصورة ودمياط وحتى طنطا، وحسب المتاح من المعلومات تجاوز عدد تلك العدادات الجديدة حاجز المائة ألف عداد.
شركة الكهرباء تسوق التجربة بدعوى أنها مفيدة للمستهلك، حيث تحافظ على خصوصيته بعدم دخول كشافين أو محصلين إلى بيته، وكذا مساعدة المستهلك فى ترشيد استهلاكه من الكهرباء من خلال كروت الشحن ومعرفة الرصيد أولا بأول، وأشك أن الشركة كان فى حسبانها راحة المستهلك وسعادته، حيث إن كل ما يهمها هو تحصيل مستحقاتها من المستهلكين، بل الحصول على حقوقها مقدما وليس بعد الاستهلاك الفعلى للتيار، وهذا حقها ، ولكن من حق المواطن الذى سيدفع مقدما أن يتلقى خدمات أفضل، ولا يجد نفسه مضطرا للذهاب إلى مقار شركة الكهرباء يوميا أو أسبوعيا لاصطحاب فنى لإصلاح عطل بالعداد، كما حدث معى شخصيا.
إذا كنت من قاطنى المناطق الجديدة أو الراقية، وذهبت للتعاقد على عداد أو عدادات جديدة يخيرك الموظف بين العداد القديم (الميكانيكى) والجديد أبو كروت شحن، ولكنك تفاجأ فى كل الحالات أن العداد هو من النوع الجديد، إذن فما الداعى لذلك التخيير؟ وهل هو على طريقة الديمقراطية المصرية التى تعمل بقاعدة أن من حق الناس أن تتكلم ومن حق الحكومة أن تفعل ما تشاء! المطلوب الشفافية الكاملة مع الجمهور وعدم التغرير به، منعا للمشاكل والشكاوى، وطلبات استرداد الأموال.
من المهم أن نواكب تطورات العصر، وأن نستخدم أحدث التقنيات لإسعاد الناس، ولكن دون الكذب على الجمهور بدعوى أن العدادات الجديدة ستجعل تعاملاته أكثر يسرا، وستجعل استهلاكه أكثر رشدا، بينما الواقع يؤكد أن الاستهلاك سيكون أكثر إسرافا، لأن المواطن الذى سينتهى رصيده سيذهب إلى شركة الكهرباء لإعادة الشحن، وساعتها لن يشحن بمبلغ قليل توفيرا للجهد والمواصلات، وبالتالى فإنه سيكون مطمئنا إلى تمتعه برصيد كبير ما يفتح شهيته أكثر لمزيد من الاستهلاك دون أن يقصد.
من الضرورى هنا التنبيه أن التيار سيقطع أتوماتيكيا عن المشترك حال نفاذ رصيده، وهنا تقول الشركة إن هناك تحذيرات تظهر على شاشة العداد عن الباقى من الرصيد، وكأن المواطن نائم أو قائم بجوار العداد طول الوقت وليس لديه مشاغل أخرى، وكان من الممكن تصديق ذلك لو أن تلك العدادات مبرمجة بطريقة تتيح إرسال رسائل على الموبايل عن قرب نفاذ الرصيد مثلا.
التجربة لا تزال جديدة، وكطبيعة أى جديد يكون هناك توجس أو نفور منه، فالإنسان عدو ما يجهل، ولكن إذا أرادت الشركة نجاح التجربة فمن الضرورى توفير العدادات الصالحة، وتأهيل الفنيين للتعامل مع هذا النوع من العدادات، والأهم توفير منافذ خدمة لإعادة شحن الرصيد فى المناطق السكنية والمراكز التجارية، فالأمر لا يكلف سوى مجرد جهاز كمبيوتر وموظف ومكتب بسيط وكرسي، وإلا فإن الشكاوى ستتزايد وربما تصل إلى حد التمرد الكامل على تلك التجربة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة