لك أن تستعجب وأن تلعن كل لحظة تعاطف شعرت بها أن كنت "شعلناويا" أى من أنصار محسن شعلان، ولك الحق أيضا أن تشمت فى "الشعلاناويين" الذين ناصروا رئيس قطاع الفنون التشكيلية عقب حبسه فى قضية سرقة لوحة زهرة الخشخاش، ذلك أن كنت "فاروقيا" أى من أتباع فاروق حسنى، ولك أن تلعن العيشة واللى عايشنها والحكومة واللى منها أن كنت حياديا أو ملكش فى التشجيع، فها هو شعلان يخرج من السجن بعد ما يقرب من ستين يوما قضاها فى محبسه ليشرح للرأى العام ما لم يستطع أن يشرحه للنيابة ولا القضاة، وليقول بمنتهى البساطة أن لوحة فان جوخ "زبالة" والزبالة كما نعرف جميعا لا تشغل بال أحد، ولا يحافظ عليها إلا المجاذيب الذين يسيرون فى الشارع ليلتقطوا الورق ويحتفظوا بقطع الخردة باعتبارها ثروة قومية لا تقدر بثمن، ومن المعروف أيضا أن قيادات وزارة الثقافة وعلى رأسهم محسن شعلان لا يرضون لنا أن نكون مثل هؤلاء المجانين فنحافظ على "الزبالة".
الآن عرفنا كيف ضاعت زهرة الخشخاش، فزبالة محسن شعلان التى يتأفف منها تساوى بحسب أقل التقديرات 55 مليون دولار، ويصل ثمنها كما يؤكد الخبراء إلى أكثر من مائة مليون دولار، ولو قال شعلان قبل سرقة اللوحة إن فى حوزته "زبالة" بهذا السعر لتطوع آلاف الشباب للعمل عند سيادته زبالين.
لم نكن ننتظر من رجل يعرف قيمة الفن ويقدره أن يقول مثل هذه التصريحات الطائشة، ولم نكن ننتظر أن يجلس شعلان كل هذه المدة محبوسا على ذمة قضية رأى عام شهيرة ثم يخرج من السجن ليتفه التهمة ويستهين بها إلى هذا الحد، فكنا ننتظر أن تساهم هذه المحنة فى أن ترجعه إلى الصواب، وأن تجعله يعترف بتقصيره وأن يراجع نفسه ويكاشفها ويصحح صورته عند الرأى العام ويعترف بخطئه، لكن على ما يبدو لم يرق هذا التصرف الحضارى لشعلان، واختار أن ينفى عن نفسه التهمة من أقصر الأبواب وهى الاستهانة بقيمة اللوحة والتقليل من شأنها، بل والأنكى من ذلك هو اعتبار نفسه أهم وأقيم من اللوحة، وفى هذا بالطبع مغالطة كبيرة، فمسلم به أن روح الإنسان أغلى من كنوز الأرض، وكرامة الفنان من كرامة الإنسانية، لكن ما لا أفهمه هو أن يعتبر شعلان نفسه فنانا فى الوقت الذى يحاكم فيه بصفته موظفا، وأن يعتبر نفسه موظفا وقت أن كان فنانا، وبتلك العقلية يعفى نفسه من كل المسئوليات ويسقط عن كاهله كل الواجبات، ولا أعرف لماذا لم ينتبه شعلان لكونه فنانا إلا الآن، ولماذا لم يرفض المنصب حينما عرض عليه، والآن فقط يقول لا يجوز أن نسجن فنانا.
حقيقة لم أخفها منذ منذ الساعات الأولى لقضية زهرة الخشخاش، وهى أنى أرى أنه من الظلم أن نحاكم واحدا فقط دون الآخرين، ولم أكن لأبرئ متهما، لكنى أيضا لم أكن لأجرم بريئا، فقد طالبت منذ اكتشاف كارثة اختفاء "زهرة الخشخاش" بأن يحاكم كل المسئولين عن ضياعها بمن فيهم الوزير وأعوانه، وقلت أيضا ولم تكن الرؤية اتضحت بعد، إنه من الواضح أن الوزارة تريد أن تجعل شعلان كبش فداء، وهى الجملة التى تلقفها شعلان وأنصاره ومضوا فى ترديدها حتى الآن، ناسين أنه حتى مع تسليمنا بأنه كبش فداء إلا أن هذا لا يعفيه من المسئولية ومن الإهمال الذى كان أحد أسبابه المباشرة، ويبدو أنه صدق أنه برئ ووصل به الأمر إلى إنكار التهمة من أساسها واحتقار لوحة فنية أقل ما يقال عنها إنها "عظيمة ونادرة".
يواصل شعلان بهذا التصريح العنترى سلسلة أخطائه التى ارتكبها فى حق نفسه وفى حق مجتمعه منذ بداية القضية، وحينما كان شعلان فى المحبس عذرناه حينما "طرطش" بتصريحات تدينه أكثر ما تدين غيره، فقد تطرق شعلان إلى نقد الوزير شخصيا وبعيدا عن القضية، فقال إنه يذهب إلى الوزارة باللانش ليستفز الناس، وأنه صرف على حملة ترشيحه لليونسكو أضعاف ما تحتاجه متاحف مصر لتطوريها، وأنه يسير الوزارة بأهوائه الشخصية، وهذا ما لم يقبله الكثيرون لأنه إذا كان الوزير يذهب إلى الوزارة بلانش فهذه حريته الشخصية، بل أشاد البعض بهذا السلوك متمنين أن يقلده كل الوزراء خيرا من أن يمشوا فى الشوارع ويعطلون المرور بمواكبهم، وتساءل آخرون إذا كان شعلان يعلم أن الوزير يسير الوزارة بأهوائه الشخصية فلماذا لم يستقيل قبل واقعة السرقة؟ وإذا فرضنا أن هذه هى سياسة فاروق حسنى فعلا، أليس مجىء شعلان نفسه على رأس مؤسسة ثقافية كبيرة ضمن أهواء الوزير الشخصية؟ وبقى من اتهامات شعلان ما يخص إنفاق الوزير على حملة اليونسكو، وهذا ما رد عليه الوزير نفسه أمام النيابة قائلا أنه أرجع 22 مليون جنيه إلى خزينة الدولة بعد عودته من باريس وخسارته للانتخابات، وإذا سلمنا بأن كل ما قاله شعلان من اتهامات صحيح، فكيف لنا أن نصدقه وهو الذى كان ينعم فى خيرات الوزارة وأهواء الوزير ولم ينقلب عليه إلا حينما طاله من فساد الوزارة ما طاله، ثم ألا يعد سكوت شعلان على كل هذه الأفعال الكارثية "من وجهة نظره" تواطؤا منه مع الوزير على الشعب الذى استأمنهما على آثاره ومتاحفه؟
لم يكن تصريح "شعلان" بأن لوحة زهرة الخشخاش "زبالة" "طق حنك" أو تصريح تم تأويله بطريقة خاطئة، لأنه استفاض فى شرح معنى هذه الزبالة ودلل على وجهة نظره من وجهة نظره بأكثر من طريقة، ونسى شعلان وسط تعاطف البعض أنه مذنب وأنه مهمل وأن من أفسد شيئا فعليه تحمل عواقب إفساده، وأن القضية ما زالت تنظر فى جنبات المحكمة وليس على صفحات الجرائد، وأن القضاة لن يأخذوا بوجهة نظره الفنية "المعيبة"، والتى قالت إن اللوحة المسروقة "زبالة" فأمام القضاة قضية فساد وإهدار مال عام وإهمال أدى إلى فضيحة لم نفق من وقعها وتوابعها حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة