كان يومه طويلاً مرهقاً.. رجع منزله متأخراً.. جلس يتناول طعام الغذاء والعشاء فى آن واحد.. امتدت يده تضغط على الريموت وفتح التلفاز.. كان أول حظه هو وجه الكابتن حكشة والناقد الرياضى الكابتن حمكشة!.
الكابتن حكشة يمسك القلم فى يده يرفعه ويخفضه والكابتن حمكشة يقلب فى كومة أوراق فى يده فيصعد بإحداها وينزل بالأخرى مع تصاعد حدة النقاش!.
بدأت أصواتهم تبح ووجوههم تتلون.. كانت تبدو معركة حامية الوطيس لكنه لم يعطها أذانا صاغية.. أخذ يقلب بين القنوات لعله يجد بين الغث ما يفيد وللعجب وجد عدة برامج فى نفس الوقت تشتعل بنفس المعركة مع اختلاف الوجوه والأصوات!.
قال لنفسه الموضوع شكله مهم.. اديهم ودانى شوية نشوف أيه الحكاية بالظبط، لحظات وتجلى الأمر وانقشعت الغمة.. الأمر فعلا هام وخطيييييييييييير..
انهزمنا يا رجالة فى موقعة جديدة! قفز لذهنه صدى صوت يوسف بك وهبى وهو يقول يالا الهول!.
قالت له نفسه التى لا تكف عن مشاكسته طيب وأيه يعنى.. انهزمنا انهزمنا، مادام هناك لعب وتنافس فمن الطبيعى أن نفوز أحيانا وننهزم أحيانا أخرى! هو ده الطبيعى.. أيه اللى هيحصل يعنى.. أيه المشكله؟.
قال لها إزاى.. دى حاجة تزعل وتأثر فى النفس، فطلعت فى وجهه كالمدفع وارتفع صوتها الهامس وهى تقول.. طيب ما إحنا أخدنا كأس الأمم الأفريقية 3 مرات وراء بعض.. استفدنا أيه! نفعتنا فى موضوع المية اللى إخوانا الأفارقة عايزين يقطعوها علينا! نفعتنا فى جنوب السودان اللى هينفصل واللى ياما هنشوف بعد انفصاله! نفعتنا بأيه غير الفلوس اللى بتتاخد من دمنا الحى!
حاول أن يرد عليها فلم تعطه فرصة وواصلت وهى تقول.. طيب لو فرضا يعنى.. لو أخدنا كأس العالم أيه اللى هيحصل؟ أيه النتيجة بعد الهليلة والطبل والزمر والأحضان والبوس والمصريون أهمه والليلادى عيد.. وأنا م البلادى. ولو سألتك أنت مصرى هتقولى أيه وارفع رأسك لفوق! وبعد ما نرفع رءوسنا وبعد فتح باب المغارة وتوزيع الغنائم! أيه اللى هيحصل؟.
وجد نفسه بدون أن يشعر يقول لها.. النتيجة صفر! نتيجة مصر هتكون.. راسب! فللأسف الشديد لسكان ومريدى الجبلاية.. الكرة لم توضع بعد من ضمن مقاييس تقدم الأمم!
وجد نفسه تتقمص روح حسن الهلالى وهى تقول أرجع بذاكرتك يا بدران! طيب ما إحنا منهزمين فى معارك أخرى أكبر من دى بكثير ولم يحرك أحد ساكنا والناس اللى المفروض تتحرك قاعدة مبسوطة وفى غاية الانشراح بتقزز لب وتلعب جيمز على الموبايل فى سيد قراره!.
أما عامة الناس فحالهم يشكل لوحة سيريالية يعجز عن رسمها سلفادور دالى وبيكاسو.. ناس نايمة وبتشخر وناس قاعدة على القهوة بيشدوا فى الشيشة واللى قاعدة تحلم بكيلو طماطم بعد ما أعلنت قمة جنونها ووصلت 15 جنيها واللى ماشى بيكلم نفسه واللى بيدخن سيجارة بانجو وناس معتصمة بقالها شهرين قدام سيد قراره محدش معبرها!.
واللى بيرقصوا فى الديسكو واللى عاملين ماسك بارتى وناس قاعدين يخططوا إزاى هيلهفوا قرض بكام مليون من البنك بدون ضمانات وناس تانيه قاعدين مخهم يبرم ويفك من التفكير إزاى الفلوس تكفيهم لغاية آخر الشهر.! وناس مش فارقه معاهم من الأصل فى عنبر 8 فى العباسية!.
من الآخر دنيا وماشية وكله مكبر الجمجمة! طيب اشمعنى الرياضة اللى عايزنا نتقدم فيها.. طيب فين التعليم فين الصناعة فين الزراعة؟ ليه الاهتمام يظهر بس لما الموضوع يكون الكرة! ومين اللى هيدرب والخطة واستبدال الكابتن بلابيعو اللى ركبه بايظه من الهلس بالكابتن تفكوره والكابتن شلضيمو اللى رجله أصيبت بالحول بالكابتن شفتوره!.
تذكرت الآية الكريمة.. فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ.. والحديث الشريف.. "لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به".
فسألته نفسه التى لاتريد أن ترتاح وتريحه معها.. الناس دى لما تقابل ربنا هتقول أيه و بأيه هترد..؟؟ أفنيته وأنا أشوط الكرة.. مره يصدها الجون ومرة تقلش ومرة فوق العارضة!
شخط فى نفسه.. اسكتى بقى تعبتينى! قالتلى مش ساكتة إلا بعد ما أعرف الرياضة فايدتها أيه فى بلادنا الغلبانة التى لا تستطيع كفاية أهلها الحاجة ومد اليد! لا عارفه تسكنهم ولا تأكلهم ولا تكسيهم ولا تعلمهم ولا تعالجهم ولا يكون لهم مستقبل معلوم!.
رد عليها.. فايدتها على الأقل الشباب والولاد يمارسوها ويتمتعوا بيها! بدل ما يصيبهم الكرش وأجسامهم بايظة! وبرضه ترفه عن الناس الشقيانة!.
ردت بسرعة.. يا أخى أنت غريب أوى! بتلوم على الشباب ليه أنهم مكرشين وهيا فين الساحات الشعبية والملاعب فى المدارس ولا فى غيرها اللى الشباب الغلبان يلعب فيها وينبسط؟.
استيقظ ضميره وهو يقول له.. صحيح ليه الملامة! ممارسة الرياضة فى بلادنا ترف لا يقدر عليه إلا الأغنياء أما الفقراء ومتوسطو الحال فعليهم الفرجة على برنامج الكابتن حكشة!.
فجأة وبلا مناسبة قفزت صورة كارل ماركس فى خياله بلحيته الكبيرة التى لو ظهر بها فى إمبابة لقبضوا عليه ووجد نفسه ضيفا على سلومة الأقرع يفعل به الأفاعيل! قالت له نفسه الراجل ده لو لسه عايش كان غير كلامه.. فالرياضة والسينما والمسلسلات والكليبات أفيونا لأمثالنا لتغييب عقولنا المغيبة أصلا! أحس بالتعب من التفكير ولم يشعر بنفسه.. نام وطيف هذه الأفكار مازال يعشش فى رأسه!.
صحا فى الصباح الباكر وجده مازل أمام التلفاز.. انتبه على صوت المذيع وهو يقول والآن مع إعادة لحلقة أمس مع الكابتن حكشة! اتسعت عيناه من الدهشة ووجد نفسه يقول.. يخرب بيت كده!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة