بسمه موسى

ورق وطوب

الأحد، 17 أكتوبر 2010 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وجدت إحدى الزميلات، وهى طبيبة بشرية، تشعر بحزن وأسف وعندما سألتها عن السبب؟ قالت إنها كانت تقوم بزيارة أحد المرضى فى إحدى الفيلات الفاخرة، وكان كل شىء فى الداخل والخارج باهظ الثمن وكانت الفيلا الفاخرة تتكون من ثلاث طوابق وقد تزين المدخل بأغلى التحف واللوحات الفنية الأصلية، فقلت فى نفسى يبدو أن صاحب المنزل قد بذل كل جهده ليجمع المال ويتمتع بهذه التحفة المعمارية الجميلة وقد انتظرت قليلا حتى حان وقت دخولى لزيارة المريض وجال فى خاطرى أن المريض يعانى من مرض بسيط وسوف يتماثل للشفاء بسرعة.

هالنى ما رأيت لقد أخذونى إلى سرداب حيث كان المريض ينام وحيدا فريدا فى إحدى الزوايا فى غرفة صغيرة ليس لها إلا نافذة واحدة وكان يعانى من شلل أفقده القدرة على الحركة والكلام، وليس همه فى الدنيا إلا تناول جرعات الدواء والنوم لساعات طويلة، لا يعرف للوقت أى قيمة ولا يدرك الليل من النهار، أما المفاجأة عندما عرفت أن صاحب هذا البيت الكبير هو ذلك الإنسان الراقد بلا حراك فى هذه الزاوية البعيدة بالغرفة الصغيرة فى المنزل الضخم.

إن الإنسان يسعى طيلة حياته ويجهد كل الجهد ليحقق آمالا كبيرة حلم بها فى صغره ويظل يلهث من أجل تحقيقها. لقد أصبح السعى الحثيث وراء المال أهم أهداف الإنسان الآن حتى لو كان ذلك على حساب صحته وبيته وتربية أولاده.

وبات هم البعض ليس المأكل والمشرب والحياة الكريمة بل تعدت آمالهم إلى أبعد من ذلك بكثير، وراحوا يسعون لتحقيق آمال أخرى كتغّير نوع السيارة سنويا وتغيّر نوع التلفاز تماشيا مع التطور المذهل للحياة من حولنا فخرج كل منهم ليزيد من ساعات العمل ويشعر بسعادة عندما يتضاعف راتبه فى نهاية كل شهر ولكنه لم يدرك الخطر الدائم الذى يتربص به وبأهله وأولاده وهو بعيد عنهم، فالأب يعمل ليلا ونهارا ومن الممكن أن يكون خارج البلاد والأم كذلك تعمل والأولاد بدون رقابة أمام مغريات كثيرة لا تعد ولا تحصى وأصبحت المحصلة المحزنة هى أسرة مفككة وسعادة زائفة لا تشبع عطش الروح للهدوء والسكينة والاستقرار.

إن طينة الإنسانية مخمرة بحب الذات، فبالرغم من أن الإنسان قد ولد على الفطرة إلا أنه بعد أن يخرج للحياة تبدأ الأنانية طريقها إليه، وإن اختلفت درجاتها، ومع مرور الوقت وتقدم السن تتكشف له الحقائق الكامنة وتزداد بصيرته حدة ويشاهد ما فات عنه ويدرك الحقائق التى غابت عن نظره وأن كل هذه الآمال التى لهث سنينا وراءها أصبحت سرابا، وعرف أن النهاية الحتمية لحياته ستكون مثل ذلك المريض الراقد على الفراش، فأين من كانوا من قبل لقد أنزلهم الرحمن من القصور إلى القبور.

من الناس من عاش حياته ليحقق ثروة من المال فقط ومنهم من كانت أعظم ثروته هو تعليم أولاده ليصلوا لأعلى المناصب، ومنهم من كرس حياته ليعلم أولاده الفضيلة والأخلاق وحب الله، ومنهم من انحرف عن الطريق القويم وسلك كل الطرق الملتوية ليحقق أيضا آماله العظيمة ظنا منه أن هذه هى السعادة الحقيقة، ولكن النهاية الحتمية هى واحدة.

الآن أصبحت لغة المال عند ذلك المريض ورقا أبيض ليس له معالم، وما هذا البيت الكبير إلا مجموعة من الطوب ضاقت به ليحل ضيفا على أصحابها الجدد بإرادته أو بغيرها، فهل يمكن أن يتساوى من عاش الدنيا بالطول والعرض وبين من كرس حياته لتربية أولاده ليكونوا مواطنين صالحين فى خدمة ذويهم ووطنهم؟ فليعتبر الإنسان.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة