فوجئت الست نجوى عبد الرازق حسن بكاميرات التليفزيون ومراسيلها أمام إحدى المكتبات فى شارع الفجالة فصاحت: ليَّا ست ساعات بأجيب كتب ملخصات لولادى ومش لاقية.. دا المدرسين اللى أنا جايباهم لهم مش عارفين يشتغلوا ولقد لخصت لنا الست نجوى المشكلة بكلماتها البسيطة أن الكتاب الخارجى هو صنيعة الدروس الخصوصية، والدروس الخصوصية هى آفة من آفات التعليم ولعنة من لعنات التربية والمراقب لهاتين الظاهرتين يجد أنهما ضربا نظام التعليم المصرى ونخراه كسوسة النخل الحمراء؛ منذ هزيمة 1967، والتى هزت كيان الوطن وأخلاقياته ومُثله وكل ما نعانى منه الآن من فساد شعبى وحكومى هو من إفرازات تلك الهزيمة، وصحيح أننا انتصرنا بعد ست سنوات فى حرب الست ساعات ولكن سياسة الانفتاح والتحول لسياسة السوق الحر أعطت زخماً لاستمرارية الفساد.
وقبل 1967، لم تكن هناك دروس خصوصية بذلك الشكل الوبائى ولم تكن الحاجة ماسة لكتب خارجية، وكانت لدينا قناعة كبيرة بأن ما يشرحه المعلم على السبورة السوداء بالطباشير الأبيض ومن الكتاب المدرسى هو القول الفصل وكان من تسول له نفسه أن يتعاطى الدروس الخصوصية من أبناء الموسرين فى ذلك الزمان، كان يتلفت حوله كثيراً قبل أن يذهب لبيت المدرس ويضع دفتره فى كم قميصه حتى لا يراه أحد فيتهمه بالغباء، وكان ذلك سائداً تماماً بتمام من أن المدارس الخاصة هى مدارس للأغبياء فقط.
ولو توجهنا بسؤال افتراضى للدكتور أحمد زويل أو الدكتور مصطفى السيد أو الدكتور فاروق الباز أو الدكتور مجدى يعقوب أو غيرهم، من عظماء هذا الأوان وهم ولله الحمد أحياء يرزقون، هل أيها السادة الكرام أخذتم دروسًا خصوصية من ملوك الكيمياء وسلاطين الأحياء وأمراء الرياضيات ومحيطات اللغة الإنجليزية وهل استعنتم بكتب خارجية؟ فبالتأكيد أنهم لم يفعلوا ذلك، ولن يفعلوا ذلك لو عاد بهم الشباب إلى هذه الحقبة من الزمان، وأقرر وأنا تربوى قديم وطاعن فى السن بأن لا الدروس الخصوصية ولا الكتب الخارجية تصنع عالماً ومفكراً ومبدعاً فهى تعتمد على طريقة تدريس هى الأسوأ من بين عشرات طرق التدريس التى يطبقها العالم فى مدارسه فى الشرق والغرب، والمنتج (كما علمتم وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجم)، ماكينات بشرية زمبركية ( زمبلكية )، والمدرس الخصوصى يظل يدير مفاتيحها لدرجة حفظ تمارين الرياضيات ومسائل الفيزياء والتى لا يجوز حفظهما، ثم تنفلت أيام الاختبارات على ورقة الإجابة وبعد انتهاء الاختبارات لو افترضنا جدلاً إعادتها فستكون النتائج مذهلة.
فى قديم الزمان وفى سالف العصر والأوان كان تجار الشاى فى مصر المحروسة يغشونه بنشارة الخشب واستمر الحال أعوامًا وأعوامًا وبعدها جاء من يصلح الحال وأعاد الأمور إلى نصابها وبيع الشاى عند البقالين كما كانت ترسله الهند وسيلان، شاى شاى، ولكن الناس أعادوا بواكى الشاى إلى البقالين وطالبوا بالشاى القديم ويا محلا طعم الشاى القديم، وهذا بالضبط ما نراه الآن فى مسألة الكتب الخارجية، وأكرر للمرة الثانية وأنا تربوى قديم وطاعن فى السن أن الكتب الخارجية لا تضيف شيئاً لكتب الوزارة بل هى تقتبس المناهج الوزارية وتضيف عليها كمًا كبيرًا من التدريبات والتمارين والاختبارات، ويطلقون عليها مسمى ملخصات وهى على العكس تماماً من أحجامها التى تباع به ولا يمكن أبداً ويستحيل وبل ممنوع عليها أن تضيف شيئاً لم يرد فى المناهج الدراسية، وهذا يقتل فى ملكات الطلاب البحث والاطلاع والإبداع.
والشيء الغريب والعجيب أن كثيراً من الدول العربية الغنية لا يعرفون الكتب الخارجية وحاول البعض عمل كتب خارجية ولكنها محاولة باءت بالفشل الذريع.
والحمد لله أن تلك الظاهرتين الدروس والكتب فى طريقها للزوال باتباع أسلوب القدرات العامة والاختبارات التحصيلية والذى سيكون فى غضون عامين من الآن وذلك ما أخذت به الصين وكثير من البلاد فى نظامها التعليمى فطالبهم لا يدخل الجامعة بالثانوية العامة ولكن بدرجته فى القدرات وهو ببساطة يقيس مدى استفادة هذا الطالب مهارياً من دراسته وذلك الذى جعل الصين تغزو العالم بقاراته الست بغير سلاح وبدون نقطة دم صينية واحدة.
إسماعيل كاشف يكتب: الكتب الخارجية والشاى المغشوش
السبت، 16 أكتوبر 2010 02:20 م