المستشار محمود الخضيرى يكتب: قرار المجلس الأعلى ليس قيداً على حرية الإعلام

الخميس، 14 أكتوبر 2010 08:11 م
المستشار محمود الخضيرى يكتب: قرار المجلس الأعلى ليس قيداً على حرية الإعلام المستشار محمود الخضيرى نائب رئيس محكمة النقض السابق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ عدم احترام القضاء معناه عدم احترام السلطة القضائية ونزع الشرعية عنها وهو ما يؤدى لتحويل المجتمع إلى غابة ويؤدى إلى انهياره
تنص المادة 268 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه (يجب أن تكون الجلسة علنية، ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو المحافظة على الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها فى جلسة سرية، أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها)، وتنص المادة 101 من قانون المرافعات على أن (تكون المرافعة علنية إلا إذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم إجراءها سرا محافظة على النظام العام أو مراعاة للآداب أو لحرمة الأسرة).

من ذلك يتضح جليا أن علانية الجلسات وإتاحة فرصة ما يدور فيها للناس كافة هو أصل من أصول المحاكمات أيا كان نوعها لا يمكن الإخلال به وأى إخلال به يعرض الحكم الذى يصدر فى القضية للبطلان، وحتى إذا كان يجوز نظرى الدعوى فى جلسة سرية مراعاة للنظام العام والآداب كما تنص المادتان سالفتى الذكر، فإن النطق بالحكم لابد أن يكون فى جلسة علنية.
هذا المبدأ العام فى المحاكمات قد يحتاج أحيانا إلى توضيح يبين حدوده حتى لا يستغل فيما يمكن أن يسبب للمتهمين أو الشهود أو كل من له صلة بالدعوى المنظورة آلاما أو متاعب تلحق به أو بأسرته، إذ إن من المبادئ الفقهية المعروفة مبدأ لا ضرر ولا ضرار.

ومن أهم ما يلفت نظر الناس فى جميع بلاد الدنيا المتحضر منها والمتخلف هو الجرائم التى تقع فى المجتمع خاصة إذا كان من وقعت منه الجريمة شخصية هامة أو من وقعت عليه الجريمة شخصية معروفة أو كانت الجريمة مما يمس الشرف أو العرض هنا نجد وسائل الإعلام تهتم كثيرا بالواقعة وتجعل منها العناوين الرئيسية وشغلها الشاغل، وقد يتضح بعد إذاعة الواقعة أن المتهم الذى سلطت عليه الأضواء أثناء التحقيق ليس هو المتهم الحقيقى وقد تنتهى القضية ببراءة المتهم الذى حدثت حوله القضية، وهنا نجد للأسف أن وسائل الإعلام التى كانت تركز فى البداية على الجريمة ومرتكبها قد لا تعنى بنشر خبر البراءة وتظل التهمة تلاحق المتهم وأسرته وقد يكون فى ذلك قضاء على سمعة هذا الإنسان وعائلته دون ذنب ارتكبه، وكثير من الناس يسوؤهم ويسوء أسرهم رؤيتهم وهم خلف القضبان الحديدية أو فى يدهم القيد الحديدى، خاصة إذا كانت التهم التى يحاكمون من أجلها تمس الشرف أو النزاهة.

من هنا كان لابد من وضع ضوابط لعلانية الجلسات تحافظ على المبدأ الذى يعتبر ضمانة أساسية من ضمانات التقاضى ويحافظ فى ذات الوقت على سمعة وشعور الناس ومستقبلهم بعد أن زاد اهتمام وسائل الإعلام بالوقائع الجنائية نظرا لأهمية الشخصيات المتهمة أو المجنى عليها فى الفترة الأخيرة، وأصبحت وسائل الإعلام بجميع أنواعها لا هم لها إلا الحديث عنها والتعليق على ما يحدث قبل الحكم فيها وقبل أن يقول القضاء لكلمته فيها، وتهيئة الرأى العام فى اتجاه معين فإذا جاء الحكم خلاف هذا الاتجاه يصبح الحكم موضعا لتساؤل الناس، كيف صدر؟ ولماذا صدر على هذا الوجه ولم يصدر على الوجه الذى كان يتوقعه الناس حسب تهيئة وسائل الإعلام لهم؟

ومن هنا كان اهتمام مجلس القضاء الأعلى الذى يحوى شيوخ القضاء بهذا الأمر نظرا لمساسه بسمعة القضاء الذى يجب أن يكون دائما فوق الشبهات، فأصدر توصيته الأخيرة بمنع تصوير الجلسات سواء بكاميرات التليفزيون أو الكاميرات العادية، محافظة على شعور المتهمين والخصوم ومنع الإساءة إليهم، ولا يعنى ذلك منع حضور الصحفيين لتدوين ما يدور فيها ورصده وإذاعته، بشرط عدم المساس بالحقائق التى تحدث بالإضافة أو الحذف والتزام الأمانة فى النقل حتى لا يتأثر الناس بشىء لم يحدث وتكون النتيجة على عكس ما نشر فتحدث بلبلة، ولذلك وجب أن يؤخذ قرار المجلس فى هذا الشأن فى حجمه الطبيعى ولا يتم تصويره على أنه قيد يحد من حرية وسائل الإعلام، حقا إن الجو العام فى مصر هذه الأيام يرشح لهذا القول نظرا لما نلمسه من تضييق على حرية الناس فى كثير من المجالات وخاصة المظاهرات السلمية التى تدعو إلى التغيير وتحارب التوريث، وهو أمر مباح فى جميع أنحاء العالم إلا فى مصر نظرا لقانون الطوارئ، ولكن قرار مجلس القضاء لا يمكن أن تتعارض قراراته مع القوانين التى توجب العلانية وتحرص عليها.

اهتمام الناس بالجرائم التى تقع فى المجتمع اهتمام لا يستطيع أى إنسان أن يقاومه، والرغبة فى معرفة ما يدور فى الغرف المغلقة أمر طبيعى تصعب مقاومته، ولكن يجب الحد من ذلك عندما يتعارض ذلك مع النظام العام والآداب، فلا يمكن مثلا السماح بنشر محاكمات الجواسيس بما تحوى من أسرار تمس أمن الدولة وتفيد الأعداء، ولا يمكن مثلا السماح بنشر المحاكمات التى تحدث فى قضايا الآداب لما تحويه من مسائل تخدش شعور الناس وتمس حرمة المنازل، خاصة أن بعض هذه الأمور قد لا تكون صحيحة وتسم من تسند إليه فى سمعته فتقضى عليه وعلى أسرته، وعلى الرغم من ذلك حتى إذا كانت هذه المحاكمات تتم فى سرية فإن الحكم فيها يجب أن يكون علانية بعد أن تحققت المحكمة من حدوثها وأصبح الحكم فيها عنوان الحقيقة التى لا يستطيع أحد أن يجادل فيها.

أمر هام يجب أن يكون دائما ماثلا فى الأذهان وكان دائما كذلك إلى عهد قريب وهو أنه عندما تقول المحكمة حكمها فى الموضوع يجب احترام هذه الكلمة واعتبار أى قول آخر يخالفها غير صادق، وهو ما يدعونا دائما إلى الحرص على عدم التدخل فى أحكام القضاء لأن هذا التدخل ينزع عن القضاء الاحترام والتقدير الواجبين له، كما يجب أن نكون حريصين أشد الحرص على احترام وتنفيذ أحكام القضاء مهما كانت هذه الأحكام مختلفة مع مصالحنا لأن عدم احترام أحكام القضاء معناه عدم احترام السلطة القضائية ونزع الشرعية عنها، وهو ما قد يؤدى بالمجتمع إلى أن يتحول إلى غابة يأكل فيها القوى الضعيف وبذلك ينهار المجتمع.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة