المستشار مجدى عبدالرازق يكتب: دعوة إلى إصدار قانون يجرّم التعليق على الأحكام

الخميس، 14 أكتوبر 2010 08:11 م
المستشار مجدى عبدالرازق يكتب: دعوة إلى إصدار قانون يجرّم التعليق على الأحكام المستشار مجدى عبدالرازق نائب رئيس محكمة النقض

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ أدعو أهل الهوى والمصلحة إلى إبعاد القضاء ورجاله عن مآربهم وأهدافهم المشبوهة
البعض يحاول هز جدار الثقة بين الشعب وقضائه لأهداف واضحة أناشد المشرع التدخل لتجريم من يعلق أو ينتقد الأحكام.

مما لا شك فيه أن الإعلام بجميع أنواعه أصبح من أهم وسائل تشكيل الرأى العام والتأثير المباشر فى تحديد اتجاهات الشعوب وتوجيه حركتهم على كل المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية بل والاقتصادية أيضا، فضلا عن مساهمة الإعلام الفعالة فى تكوين أحلام وتطلعات الأفراد والجماعات فى شتى المناحى، بل لا أبالغ إذا أضفت إلى ذلك أثر وسائل الإعلام فى طريقة حياة البشر وأسلوب عيشهم، فإذا كان صحيحاً - وهو صحيح - أن للإعلام هذا التواجد الطاغى والفاعل فى كل المجتمعات، فإن تلك الأهمية تزداد أضعافا إذا غلب على أفراد المجتمع الأمية، وأصاب المتعلم منهم السطحية الثقافية، ذلك أن قدرة المتلقى والقارئ فى هذه الحالة على إفراز الغث من السمين، والصحيح من الخطأ تكون فى أوهن حالاتها، مما يجعل الفرد منقادا أو مرددا لكل ما يسمع أو يشاهد أو يقرأ دون وعى أو تمحيص، وهنا يكون المرد فى التوجيه والسيطرة إلى الصحفى أو المذيع، ويتوقف الأمر على ضميره وحكمته ومدى مهنيته وتمسكه بمواثيق الشرف الصحفى، وإدراكه خطورة ما يصبه فى عقول المتلقين، وأعتقد أن ذلك يشكل خطورة كبيرة إذ إن انفتاح السوق الإعلامية على مصراعيها وإطلاق حرية الرأى والتعبير رغم مميزاتها وأهميتها فإنها فتحت الباب لكل من استطاع تملك مساحة فى صحيفة أو شاشة أياً كان غرضه أو علمه أن يفعل بالمتلقى ما يشاء، ولا نستطيع أن نتغافل أن عددا كبيرا من محترفى الإعلام يفتقدون الأسس الموضوعية والمهنية فى تناول كثير من الأمور، لاسيما إذا كان التناول يخص شأنا أو حكما قضائيا، وهنا تكون الخطورة أشد والخسارة أعظم، ذلك أن الله قد أنعم على قضاة مصر بحب واحترام وتقديس الشعب المصرى، فضلا عن أن معالجة الإعلام للأمور القضائية لا تحتمل منحى أيديولوجيا كما هو الشأن فى الأمور السياسية والاقتصادية، فالقضاء المصرى حكم بين جميع فئات الشعب على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم على أسس من العدالة البريئة من الهوى، ولكن وللآسف الشديد بيدو أن البعض لا يروقه هيبة القضاة فى نفوس المصريين، فيحاولون بشتى الطرق تصريحا وتلميحا هز جدار الثقة بين الشعب وقضاته لأهداف أصبحت واضحة للمتابع المدقق فى الأحداث الجارية فى السنوات الأخيرة، ولعلى لا أتجاوز إذ أقطع بأن أحد أهم أسباب اشتعال الأزمة الأخيرة بين الإخوة المحامين والقضاة على خلفية إدانة محاميين بالتعدى على أحد أعضاء النيابة العامة بطنطا هو سعى البعض من الجماعات المشبوهة وغير الشرعية إلى تذكية نيران الفتنة بين الطرفين لأغراض دنيئة منها التهوين من شأن القضاة والتشكيك فى حيدتهم ونزاهتهم، بعد أن فشل هؤلاء فشلا ذريعا فى شق صف القضاة والنيل من وحدتهم، ولعل أخطر وسائل الحط من قيمة واحترام القضاة وأحكامهم هو التعليق عليها والتصريح بانتقادها أو التأثير الإعلامى المبالغ فيه لدفع المحاكم إلى تبنى أحكام بعينها تصالح هذا أو ذاك ممن يستطيعون شراء الذمم والنفوس الضعيفة بأموالهم، وليس أدل على ذلك من لجوء بعض القضاة وأعضاء النيابة العامة إلى حظر النشر فى القضايا المنشورة أو التحقيقات الجارية من فرط ما ازدحمت به الصحف والمحطات التليفزيونية الخاصة من التعليقات والمرافعات التى تصب فى صالح أفراد بعينهم ذوى حيثية مالية أو سياسية، وإطلاق العنان للمدافعين عنهم فى التلاعب بمشاعر وآراء البسطاء وصولا إلى إجراء محاكمات إعلامية موازية لما يجرى فى ساحات العدالة، حتى إذا صدرت الأحكام على غير هواهم وما أعدوا الناس لاستقباله نالوا من مصداقية الأحكام ومن أصدرها.. والرأى عندى أن من حق وسائل الإعلام والجمهور متابعة القضايا وما يجرى بشأنها إعمالا بحق المعرفة والشفافية، ولكن دون التخطى إلى التدخل السافر فى سير المحاكمات ووزن أدلة الإدانة والبراءة فيها، والتى هى شأن القاضى فقط دون غيره، وآنذاك لن يكون القاضى فى حاجة إلى حظر النشر وحرمان وسائل الإعلام من المتابعة وإشباع رغبات الجماهير الشغوفة ببعض القضايا خاصة التى يكون أطرافها من المشاهير.. وقد كثر الحديث حول أحقية التعليق على الأحكام وتناول حيثياتها بالتفنيد ومدى شرعية ذلك، والحق أنه لا يوجد نص صريح وقاطع فى تجريم هذا الفعل رغم خطورته الواضحة، ومن ثم فإننى أناشد المشرع المصرى أن يتدخل بشكل واضح وصريح لإصدار نص قانونى يؤثم انتقاد الأحكام والتعليق عليها والحط من قدر مصدريها. كذلك فإنى أناشد العقلاء من أهل الإعلام بالتوقف عن اقتراف هذا الفعل الشائن حفاظا على هيبة القضاة التى هى إحدى أهم أسس دولة القانون التى ننشدها جميعا ويجب أن نتصدى جميعا لمحاولات البعض هدم المؤسسة القضائية تحقيقا لأهداف سياسية ليست خافية على أحد، حفاظا على هذا الحصن الذى هو ملاذ كل مظلوم وسند كل مقهور وقوة كل ضعيف، فلن تستقيم علاقات الأفراد والجماعات ويسود السلام والاستقرار الاجتماعى إلا بقضاء واثق محل هيبة واحترام من الجميع. وإنى أدعو الشعب المصرى العريق إلى الوثوق بقضاته والفخر بهم لأنهم يستحقون ذلك عن جدارة، وليعلم الجميع أن المؤسسات الرقابية بالهيئات القضائية هى أدق وأقسى فى التعامل مع القلة النادرة التى تلوث ثوب القضاء الناصع، بل إن المواطن العادى لا يدان ويجرم إلا بأدلة يقينية ساطعة، بينما يؤخذ القاضى بمجرد الشبهة أو السمعة، حرصا على إزالة أى بقعة سوداء مهما كانت ضآلتها.. وبعد فإننى أدعو أهل الهوى والمصلحة على مستوى الأفراد والجماعات إلى إبعاد القضاء ورجاله عن كل مآربهم وأهدافهم المشبوهة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة