ليتنى كنت فاسدة.. حتى يفتح لى الوطن ذراعيه ويحتضننى ويدعم فسادى ويكافئنى عليه.. ويمنحنى من خيراته وثرواته ما يكفينى ويكفى الجيل العاشر من نسلى.. والذى أستبعد تماماً أن يدعو لى بالرحمة والمغفرة يوماً ما بعد وفاتى، بل وأجزم بأنه لن يتذكر اسمى قط، لأنه سيكون بالطبع فاسداً من نسل فاسدين!! ليس ذلك هو المهم، بل المهم وقبل فوات الأوان كيف أصبح فاسدة ويكون لى من الفساد حظ ونصيب حتى أنأى بنفسى عن جملة المعذبين فى الأرض والبؤساء الذين يشكلون أكثر من ثلثى سكان هذا الوطن.. يعيشون كالجثث المتحركة.. يتجرعون مرارة الظلم والذل والفقر والاستعباد والاستبداد،
ولا يستطيعون فعل أى شىء.. لا لون ولا طعم ولا رائحة لحياتهم.. حياتهم التى أصبحت وبالاً عليهم وباتوا يتمنون الموت فى كل لحظة.. بل ومنهم من لا يعطى نفسه فرصة لتمنيه فيتخلص من حياته طمعاً فى رحمة الله!!
أفكر كثيراً فى كل هذه الأمور وألوم نفسى وأتساءل: ما دام الفساد هو الحل وهو المنجى والمخلص من كل هذه العذابات والإحباطات التى تسلبنى حقى فى الحياة.. فلماذا لا أميت إحساسى وضميري، وأقضى على جانب الخير والصلاح الذى بداخلي، وأدوس على القيم والمثل والمبادئ بحذائي، وأحطم كل الفضائل والمعانى السامية التى لا جدوى منها فى هذا الزمان.. وأسير فى طريق الفساد السريع.. الخالى من المطبات والعقبات.. فأحقق لنفسى المال والممتلكات الهائلة التى تجعل لى شأناً عظيماً وقيمة كبيرة، كما ستجعل الكبير قبل الصغير يهابنى وينحنى لى خوفاً من نفوذى وجبروتى!
سأكون ملكة متوجة على عرش الفساد ويقوم بحمايتى حماة ورعاة وخادمو الفساد، سآمر وأنهى كيفما أشاء- هفترى ومش هرحم- وسأقف بالمرصاد لكل صالح حتى يكره اللحظة التى ولد فيها فيندم على صلاحه وينضم إلى حزب الفاسدين الذى آمل أن أكون قائدته يوماً ما، لعلنى أكون على قمة المرشحين فى الانتخابات إياها القادمة.. وأنا ورا البلد دى والزمن طويل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة