تتعرض الليبرالية فى مصر لضربات هادمة لصورتها فى عيون المصريين ولمستقبلها فى حياتهم.. هذه الضربات تأتى تباعاً بمعرفة سلطة تنقصها البصيرة.
لقد فرغت السلطة كل مضمون للحرية الاقتصادية وحولتها إلى صورة من السلب والنهب وفرغ الحرية السياسية من مضمونها لتحولها إلى مسرحية هزلية، كما أهدرت أى خلفية حقيقية من العدل الاجتماعى لتصاب الليبرالية بوصمة ظالمة أخرى، وهى صفة الوحشية.
لقد كانت الفترة الليبرالية بمصر قبل خمسينات القرن الفائت، وبالرغم من أى تحفظات هى فترة ازدهار بكل المعايير.. ظهرت علامات هذا الازدهار فى كافة المجالات كالاقتصاد والفن والأدب والموسيقى والغناء، بالإضافة لتفوق الجامعة المصرية بين جامعات العالم.
أما خلال العقود الأخيرة، التى انقضت فلم تواجه الليبرالية المصرية تحديات على مستوى ما واجهته تلك الليبرالية فى فترة ما قبل الخمسينات حينما ازدهرت بالرغم من ملك تحدى حريتها السياسية واحتلال أعاق مسار الأمة ككل، بالمثل قوبلت بدايات التحول الليبرالى فى سبعينات القرن الفائت بأحمال الحرب وديونها والفواتير الباهظة لإعادة تأهيل بلد ضاق واديه على أهله وتهرأت بنيته التحتية إلى درجة لا تتيح أى انطلاق.
كانت الفرصة متاحة لسلطة حكمت لعقود طويلة وورثت حالة سلام ولم تكن مطالبة بالكفاح من أجل تحرير تراب الوطن إذا استثنينا منطقة طابا، كان بمقدورها أن تبنى ازدهاراً اقتصادياً وثقافياً وعلمياً يفوق ما تحقق قبل الخمسينات، ازدهارا ينطلق ليشمل طبقات المجتمع المصرى كلها، كان بمقدور هذه السلطة أن تتبنى التعليم و يطوره بكل استثمار ممكن ليأخذ بيد أبناء الوطن الذين لا حيلة لهم إلا بدولة ترعاهم حقيقة وليس وهما، دولة تتيح لكل منهم حسب كفاءته صعود سلم الترقى الاجتماعى مثلما رأينا مع طه حسين باشا وغيره من عظماء المجتمع الذين لم يشفع لهم إلا تعليمهم، كان بمقدور هذه السلطة أن تتبنى الإدارة العلمية فى كل الاتجاهات فنرى انضباطاً يرافق التحرر فى ليبرالية تعتنقها دولة تفهم جيداً واجباتها تجاه مواطنيها.
ماذا نرى الآن غير دولة رخوة تحت يافطة الليبرالية؟ إن حقيقة
ما نراه الآن هو الانفلات بكل معناه اقتصادياً وثقافياً ومجتمعياً
وقل ما شئت، إن أمثلة الانفلات أكثر من أن تحصى ومجتمعنا هو مثل أمواج تتلاطم لتحيد فعل بعضها البعض ولتكون النتيجة مثل ما نرى تيبس وتجمد، بل وتراجع على كل المستويات.
بعد كل هذه السنوات نرى سلطة تدعى الليبرالية، وقد قاربت على تحطيم صورتها تماماً فى نظر المواطنين وتدعى العمل من أجل الشعب وقد قارب هذا الشعب أن تفتك به أصناف المعاناة، نرى سلطة مازالت تطلب مزيداً من الفرص وتتمسك بالبقاء وتقبض على الحريات دعماً لمطلبها الظالم، يا شعب أين أنت؟
أستاذ بطب القاهرة