طالب عدد من المحافظين الأسبوع الماضى بتحويل جلسات بيع المتعلقات الشخصية للمشاهير فى صالة كريستى إلى جلسات سرية، وقالوا إن الذى يريد أن يشترى لن يهمه الإعلام، والذى يريد أن يبيع لن تكون الشهرة على قمة أولوياته.
لكن سمسارة الأنتيكات قلبوا الدنيا، وتكلموا عن الحرية، وعن أن التاريخ ملك الجميع بحلوه ومره. نطقوا حقا، وأرادوا به باطلا. فلا يهمهم تاريخ، ولا تعنيهم حرية، كل ما هنالك أن حديث الصحافة والتلفزيونات وجرائد الفضائح عن بعض المعروضات ترفع الأثمان، وتزيد فى الطلب، فيكسب هؤلاء، بينما تخسر الفضيلة، ولا يذكر أحد محاسن الموتى.
المحافظون فى الولايات المتحدة وفى انجلترا وفرنسا يرون أن التجارة أفسدت التاريخ، وأن مجموعة سماسرة لا يفقهون حديثا يقلبون المواجع، ويفرشون المتاع، ويحطمون الرموز لأجل حفنة دولارات ينفقونها نهاية فى البارات. فلا الإعلان مثلا عن قرب بيع قطع ملابس مارلين مونرو الداخلية مهم، ولا مفيد أن تتكلم الصحافة عن "الطقم" ارتدته جون كيندى فى ليلة صاخبة، لولا الهيافة.. والتفاهة.
سبب الهوجة على صالة كريستى رسالة من ورثة نابليون طالبوا فيها منع النشر عن خطابات جوزفين، لرفيقها باراس، وهى فى عصمة نابليون، الورثة قالوا إنها
أمور شخصية، لكن الصالة لم ترد، وتم البيع وسط فضيحة بجلاجل.
ونشرت الصحافة الأوروبية الغسيل القذر، وأفردت مساحات لخطابات جوزفين التى واصلت فيها أفظع نموذج للخيانة والصفاقة، والاستهزاء لزوجها.
باراس واحد من أقرب تلاميذ نابليون، وأحد أهم أكبر ضباط الجيش الإمبراطورى، إضافة إلى أنه كان أحد أعضاء مدراء الحكومة الفرنسية، وهو الذى تدخل ليقنع جوزفين بالزواج من نابليون، وهو الذى نام نابليون فيما بعد على "رجل الكرسى" فى مكتبه يشكى جوزفين وأفعال جوزفين، وقصص جوزفين الغرامية مع ضباط جيش الإمبراطورية.
فى واحد من الجوابات كتبت جوزفين: "نابليون يعرف أننى أذوب فيك عشقا، لكنه لم يفعل شيئا، لأنه غارق فى حبى، مع أننى ازدريه وأهينه، وأزله بك وبسيرتك". وكتبت أفظع من هذا وأقذر.. لكن أحداً لم يمتنع عن النشر.
جوزفين "مرمطت" سمعة نابليون الإمبراطور فى التراب بلا سبب، وجاء السماسرة يستثمرون قلة القيمة بعد مئات السنين بلا أدب، ولا حياء.
جوزفين مثلها مثل الليدى بومبادور، وزوجة تشارلزديكنز، وأم الفيلسوف شوبنهور، وأم أطفال الأديب الروسى ديتوفسكى. كلهن مسحن بأزواجهن تراب الأرض دون سبب أيضا، ولا أحد يعرف حتى الآن ما الذى أجبر هؤلاء العباقرة على هؤلاء النساء؟!
لا أحد يدرى ما الذى جعل نابليون الذى أخضع العالم يركع أمام زوجته فتضربه على خده الأيمن فيدير لها الأيسر، وهو سعيد.
لا أحد يعلم السر فى أن تلعب بنابليون الذى أخضع البلاد والعباد، فتاة صغيرة تخونه مع "طوب الأرض"، فيستكين وينام تحت قدميها يعد النجوم، ويعد الذين عشقتهم فى عصمته.
المهم أن جوزفين كانت كئيبة ونكدية، مثل زوجة تشارلز ديكنز، التى لما ماتت كتب ديكنز أروع كلاسيكيات الأدب الإنجليزى. وجاء دور كريستى فباعت خطابات قالت إنه كتبها لأخت زوجته التى أحبها أكثر من زوجته، مع أن هذا ليس صحيحا.
وقبل أعوام اشترى ثرى عربى من كريستى ما قالوا إنها خطابات من ديستوفسكى لأحد أصدقائه، يشتم فيها زوجته ويتكلم عنها ببذاءة. رغم أن المعروف عن الرجل أنه لم يستطع إنهاء علاقته بزوجته، فتركها وكتب "الإخوة كرامازوف" و"الجريمة والعقاب" بعيدا عنها.
الفيلسوف الألمانى شوبنهور هزمته امرأة أيضاً، فعاش حياته طولا وعرضا ناقما على أمه وعلى كل الإناث على وجه الأرض. فقد كان يعرف أن الرجال الذين ناموا فى سرير والدته أكثر من الذين ماتوا فى حرب طروادة. لكنه قال "لولاها لصرت مغفلا". شوبهور يرى أن أمه التى دفعته لمواجهة "الحقيقة"، والنظر للواقع دون مسلمات، ودون إيمان بأى شىء. سلوك أمه هو الذى دفعه لتأسيس مذهبه الفلسفى لنقد أى شخص وكل شىء، بلا خوف، ودون ألم!!
وباعت كريستى مخطوطات قالت إنها بخط يد شوبهور، قال عن أمه ما كان لا يجب أن ينشر. .وما لم يكن هناك داعى للإعلان عنه، فيكفى الرجل أنه مات مهموما، وماتت أمه بلا ضمير.. لكن لا حياة لمن تنادى، وشغف السماسرة بالأرباح أقذر من أوصاف شوبنهور ..لأمه !!
* مساعد رئيس تحرير جريدة روزاليوسف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة