د. عادل الليثى يكتب: شروط التغيير ... القطيعة مع الماضى

السبت، 09 يناير 2010 03:29 م
د. عادل الليثى يكتب: شروط التغيير  ... القطيعة مع الماضى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس كل ما يريده الإنسان يصل إليه ... ففى علم الاقتصاد لا تعتبر مجرد الرغبة فى سلعة ما طلبا عليها فلابد أن تترافق الرغبة فى السلعة أن يكون لدى الشخص ثمنها وعلى استعداد للتخلى عنه مقابل استحواذه على هذه السلعة حتى يمكن أن يسمى ذلك طلبا فعالا فى السوق .... وإذا طبقنا ذلك على عالم السياسة لا تكفى الرغبة فى التغيير لإمكانية حدوثه ... ولابد أن يكون طلب التغيير أى الرغبة مضافا إليها الاستعداد لدفع الثمن وثمن التغيير إلى عالم الحرية هو الدم والسَّجن والتعذيب طالما أنه لا تتوافر إرادة دولية فى ذلك .... ولن يتأتى هذا الطلب إلا إذا توفرت عدة شروط ....
أولها القطيعة مع الماضى سواء كان بعيدا أو قريبا فكل ماض كانت له ظروفه التى جعلته ممكنا فى حينه ومَرضيَّا عليه ومرغوبا فيه .... ثم أن الصورة الذهنية التى لدينا عن هذا الماضى هى صورة منقولة عبر الزمن من الماضى نفسه ... ولكننا إذا تعمقنا فى تحليل هذا الماضى بحيادية صعبة المنال ولكنها ليست مستحيلة ... نجده أقل بكثير عن طموحاتنا للمستقبل الذى نريده ... ولهذا من الأفضل إفراغ ذهنيتنا مما تبقى فيها من الماضى سواء عشناه من زاوية ما أو وصلت إلينا أخباره عن طريق وصلات متعددة تفقد أو تكتسب خلالها الصورة ألوانا أو أطيافا بعيدة عن الصورة الحقيقية لها التى كانت أصلا متعددة البدائل عند معايشتها .... فالناصرية التى فى أذهاننا بغض النظر عن حكمنا عليها هى حالة محكومة بشخص وزمن وظروف لا يمكن استعادتها بأى حال من الأحوال هذا غير أن هذه الحالة كانت مركبة على النظام الذى نريد التخلص منه الآن ... وحتى مجتمع الجزيرة العربية مجتمع الإسلام الأول وقت الرسول هى كذلك حالة مرتبطة جدا بشخص الرسول نفسه وظروف المجتمع والعالم فى هذا الزمان ... لا يمكن استنساخها ولا استنساخ غيرها فى طريق عودتنا إلى الحاضر الآن فى ظروف العصر ......
الشرط الثانى هو التحديد الدقيق لماهية التغيير المطلوب ... هل هو تغيير الأشخاص وهذا يكفى ( وإحنا وحظنا ) لأن الكرسى فى العادة يغير الناس .... والمصالح تجعل الناس تغمض أعينها وتنسى ما وعدت به .... ولا يوقفها عن ذلك السلوك البغيض الذى يتصف به الإنسان أيا كان ... هو ألا تكون كل السلطة فى يد واحدة... ولا وسائل فرضها بالطبع، أم أن التغيير المنشود هو تغيير سلوك المسئولين بحيث يصبح سلوكا أمينا وبعيدا عن الفساد وفى صالح الناس لكى يتوفر الطعام والمسكن والمعيشة الكريمة لكل مصرى على وجه الأرض .... وبما أننا لا نمتلك قوة عليهم .... فلن يتبقى غير أن نرجوهم مثلا أو نناشدهم إرجاع الحق إلى نصابه ... أو ندعو الله أن يهديهم لكى يشوفوا شغلهم بما يرضى الله والناس .... أو نقف وقفات احتجاجية أقرب إلى التسول تفتقد إلى عنصر القوة الذى يساند ويحسن شروط التفاوض .... وتتطلب أوضاع مهينة لا يرضى أن يمارسها كل ذوى المطالب مثل افتراش الغبراء والالتحاف بالسماء وإشراك الأطفال ... والذى لا يستطيع فعل ذلك عليه أن يتضور جوعا وأن يختار أن يفقد كرامته بالتقسيط المريح يوما بعد يوم ... ناهيك عن أن هذه المكاسب تفقد فاعليتها بمرور الزمن مما يستلزم التكرار كل عدة سنوات .... أو أن يكون التغيير المطلوب تغييرا شاملا يتلافى كل العيوب السابقة وخاصة أن عائدها قليل وجزئى وغير دائم ... أن يكون تغييرا يطال سوفتوير المجتمع حتى يكون نظاما يتضمن كل شروط تشغيله تشغيلا كفأً ... ويتضمن ما يمكن عمله وما لا يمكن تحت رقابة النظام نفسه رقابة ذاتية ... بالضبط مثل الكمبيوتر .... وإذا أردنا ترجمة ذلك على المجتمع المصرى ... سنجد أن نظام الدولة هو الهاردوير بكل مؤسساتها من وزارات ومؤسسات الحكم المحلى ومؤسسة الدفاع ومؤسسة الأمن ومؤسسة التشريع ومؤسسة القضاء ومؤسسة الحكومة ورئيس الدولة أى مؤسسة التنفيذ .... وهذا كله عندنا والحمد لله .... ما ينقصنا هو السوفتوير الجيد.... أى شروط التشغيل أو اختصاصات كل مؤسسة أو فرد من هذا الهاردوير ابتداء من رئيس الدولة وحتى أصغر موظف وعلاقة كل منهم بالآخر ... وعلاقة كل ذلك مع مؤسسات المجتمع التى هى الأحزاب والنقابات والاتحادات والجمعيات والمنظمات ... وهذا السوفت فى حالتنا يسمى الدستور .... والسمات الأساسية لدستور عصرى هى ... التعاون بين مؤسسات الدولة من خلال الاستقلال فمثلا تكون وزارة الداخلية مستقلة عن الوزير ولكنه يستعملها فى تحقيق سياساته وتكون أجهزة الأمن مستقلة عن الوزارة ولكنها تنفذ سياسة الوزارة الأمنية و تحت رقابتها وبهذا يتواجد مكان للمهنية والإبداع ... ثم عدم تركيز كل السلطات فى يد رئيس الدولة ... كل سلطة ممنوحة أمامها مساءلة واجبة ... كل المناصب السيادية بالانتخاب من رئيس الجمهورية مرورا بالمحافظين حتى عمدة القرية ... وأن تكون مرات إشغال هذه المناصب محدودة مثلا بفترتين .... أن تؤدى قواعد الترشح والانتخاب على أساس أن الشعب هو الذى يحدد من يريد وليس أحدا غيره ... فالمرشح يجب أن يحصل على توقيعات التزكية من الناخب الأصلى وليس من وكيله .... والشعب هو الذى يحدد الأحزاب التى يريدها .... ثم تأتى القوانين لتعالج كل التفصيلات التى تسمح بتحقيق روح المادة ولا تؤدى لمخالفتها ... والمشكلة أن الدستور القائم يخلق أوضاعا لا تسمح بأن يتولد منها دستور جديد لأن القادرين على تغيير الدستور هم نفسهم المستفيدون من الدستور القائم ... إذاً فلابد أن تأتى قوة تفرض هذا التغيير ... وهى الشعب صاحب الإرادة التى هى الرغبة مضافا إليها الاستعداد لدفع الثمن.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة