أعتقد أننا جميعا نعانى بدرجات مختلفة من حالة التدنى الأخلاقى التى ابتلى بها المجتمع فى الفترة الأخيرة، كما أننا نعانى من حالة انفلات سلوكى غير مسبوق فى الشارع المصرى، الأمر الذى يدفعنا جميعا وبدرجات متفاوتة إلى التفكير فى كيفية العودة إلى ما كنا نتمتع به من قبل من أخلاقيات وقيم متوارثة عبر السنين.
لكن أن يصل الانفلات إلى ذلك الحد غير المقبول، وبحيث تنحدر لغة الخطاب حتى على مستوى النخبة، ولدرجة أننا نقرأ عن وزير يسب الدين، وعن أعضاء فى مجلس الشعب الموقر تخرج من شفاههم كلمات يعف القلم عن ذكرها، فإن الأمر يصبح بمثابة إنذار شديد اللهجة يستوجب وقفة حازمة صارمة على مستوى القمة، أعنى وقفة من السيد الرئيس شخصيا.
ومن هنا فإننى أقترح على سيادته مشروعا قوميا يجمعنا ونلتف حوله ونعمل متكاتفين على تحقيقه. وهذا المشروع كفيل بأن يوقف هذا المد الهادر من الانفلات، كما يمكنه أن يمثل القاطرة لحدوث ما ننشده من إصلاحات على كافة المستويات ومختلف المجالات. المشروع الذى أقصده هو مشروع الإحياء الإخلاقى. المدهش أنه مشروع قومى ودستورى بل ومجانى أيضا.
وما دام المشروع قوميا فإن ذلك يعنى أنه يجب أن يكون بمبادرة من السيد الرئيس، وتحت الرعاية الكريمة لسيادته شخصيا، فنحن نحبه ونجله ونثق فى حكمته ورؤيته. فضلا عن قدرة سيادته الفطرية على التأثير فينا جميعا. والمبادرة تحتاج من السيد الرئيس أن يوجه كلمة قد لا تستغرق من سيادته إلا دقائق معدودات يدعو فيها الشعب كله إلى الانضباط والعودة مرة أخرى إلى أخلاقنا الأصيلة. وأثق أن السيد الرئيس سوف يرحب بهذا لسببين أساسيين، أولهما حب سيادته الجارف لمصر، وهذا لا يحتاج منا إلى دليل، أما الثانى فهو نشأة سيادته على المبادئ والأخلاق القويمة. تخيلوا أيها السادة مدى تأثير كلمة السيد الرئيس ليس على النخب السياسية فقط، بل على الجميع وبصفة خاصة الإعلام والإعلاميين وأئمة المساجد ووعاظ الكنائس والمدرسون فى المدارس، فضلا عن الفنانين بالطبع.
أما كونه مشروعا دستوريا فلأنه يتفق مع مادة المواطنة فى الدستور. فالمشروع لن يدعو إلى أخلاق إسلامية أو مسيحية أو حتى مجوسية. فقط دعوة إلى الأخلاق المصرية الأصيلة. وأعتقد أنه لا يوجد دين سماوى أو ديانة أرضية لا تدعو إلى الخلق القويم، بل حتى الشيوعيين والعلمانيين ومن لا يؤمنون بأى دين يتمسحون جميعا فى الدعوة إلى الخلق القويم.
المشكلة قد تثور حول ما معنى الأخلاق وأى أخلاق نقصد وأى قيم سنلتف حولها. ذلك كله وارد، إلا أن الاتفاق على ذلك أمر ميسور، حتى ولو اضطررنا وأحلناه إلى لجان للبحث والدراسة، يجب دائما ألا ننسى أن المبادرة برعاية السيد الرئيس شخصيا!.
أما عن كونه مشروعا مجانيا ولا يحتاج إلى أية موارد إضافية على الإطلاق، فإنه كذلك بالفعل، إذ أن اتباع الخلق القويم أمر لا يكلف مالا، قد يحتاج إلى صبر ومجاهدة وتحمل، وكل ذلك مجانى، المال الوحيد الذى قد ينفق هو على ما قد يتم تشكيله من لجان للبحث والدراسة لتحديد منظومة القيم التى سيتبناها المشروع ويدعو الناس لاتباعها والالتفاف حولها، فقط.
ذقد لا يحتاج منى الأمر إلى كثير من الجهد لتوضيح الآثار الإيجابية الشاملة لمثل ذلك المشروع القومى، بل قد لا أغالى إذا قلت إن تنفيذه قد ينفى حاجتنا إلى أنواع أخرى من الإصلاح مثل الإصلاح الإدارى والاقتصادى، فنجاح هذا المشروع من شأنه تحقيق كافة أنواع الإصلاح التى ننشدها، بل وفى وقت قياسى.
لا أعتقد أن الخيال قد جمح بى بعيدا، فالمشروع قومى ودستورى ومجانى أيضا. أحلم فقط بأن يتبناه السيد الرئيس، وأثق فى حكمة سيادته، وقبوله الدعوة إلى تبنيه، ثم دعوتنا جميعا للالتفاف حوله.
* أستاذ الإدارة وخبير التطوير التنظيمى.
د. حسن فرحات يكتب: مشروع قومى دستورى .. ومجانى !!
الجمعة، 08 يناير 2010 02:05 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة