أحمد صلاح الدين طه يكتب: المواطنون العرب والإذاعات المدرسية

الجمعة، 08 يناير 2010 04:41 م
أحمد صلاح الدين طه يكتب:  المواطنون العرب والإذاعات المدرسية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طبعاً الكثيرون منا هذه الأيام يتابعون المواقع الإخبارية والصحفية على شبكة المعلومات العالمية، وجلنا يستغرب صراعاً عنيفاً ينشب بين أبناء البلاد العربية، حيث تكاد كلمات كل فئة تفتك بالآخرين، والكل يدعى أن بلده صاحب الفضل على البلاد الآخر، خاصة فيما يتعلق بالتاريخ، الكل يظن حكومته الوحيدة التى دافعت عن قضية فلسطين، وهو ما يتطلب وصف الآخرين بالخونة، وطبعاً يرى بلده الأكثر تطوراً والأسرع نمواً، وبالتبعية فهو الأولى اقتصادياً تليه كافة بلدان المنطقة، هذا وفى كل المناحى الأخرى أيضاً، وكل فرد من العرب المتصارعين يشن هجوماً مدججاً بالأدلة على صحة رأيه، وهو مؤمن أيما إيمان بموضوعيته الشديدة.

هذا الموقف ذكرنى بالمدارس التى ارتدتها فى المراحل التعليمية المختلفة، فكانت الإذاعة المـدرسية كل يوم تسوق لنا أخباراً نفهم منها أن مدرستنا أحرزت قصب السبق فى منافسة ما بين المدارس أو أنها أدخلت شيئاً جديداً يعد الأول من نوعه فى المنطقة، وهكذا.

نشحن كل يوم بروح الانتماء لمدرستنا والتعصب لإدارتها النابهة النابغة النشيطة وتنمو بين ضلوع الطلبة نزعة الإحساس بالتفوق والرقى عن الآخرين.

كان ذلك يظهر واضحاً من تعاملنا مع أبناء المدارس الأخرى الذين كانوا يأتون إلى مدرستنا، حيث تعقد فيها مسابقات أوائل الطلبة، كنا نراهم دائماً أقل منا حجماً وعلماً وثقافة، بل كدنا نعتقد فيهم أنهم من جنس آخر لا يرقى إلى ما نحن فيه من تطور.

وظل الأمر كذلك حتى جاء يوم قررت فيه الإدارة التعليمية، وهى قراراتها فوق الجميع الراقين منا، والمتخلفين أمثال الآخرين، قررت أن تتناوب المدارس عقد منافسات أوائل الطلبة فيما بينها ولا تكون هذه المسابقات حكراً على مدرسة أو مدارس معينة، ذلك القرار كان معناه أن نخرج نحن – فريق المتفوقين – لنزور مدارس أخرى ليوم دراسى كامل نشارك أبناء هذه المدارس جميع أنشطتهم بدءاً بالطابور الصباحى وحتى الحصة الأخيرة وما بينهما تحية العلم الفسحتان الصغيرة بعد الحصة الثالثة والكبيرة بعد الرابعة – على ما أذكر ـ وأيضاً، نستمع إلى الإذاعة المدرسية، هنا كانت المفاجأة!!

ما سمعناه فى إذاعات المدارس الأخرى كان نفس ما اعتدنا سماعه فى مدرستنا، البطولات التى يتغنون بها ذات بطولاتنا، والإنجازات كذلك.

فى البدء كذَّبناهم ورفضنا تصديق أى شىءٍ يخالف ما اعتدنا سماعه، لكن مع الأيام ألف أكثرنا تكذيب الآخرين مضافاً إليه التشكك فيما تطرحه أمامنا إدارة مدرستنا عبر إذاعة الصباح، هذا الشك أصبح العنصر الأول والأساسى فى قراءتى للأخبار، حتى أننى عندما انتقلت إلى الصف الأول الثانوى، واستقبلنا مدير المدرسة بخطبة عصماء يرحب فيها بنا فى مدرستنا الجديدة ذات التاريخ العريق والإنجازات الفريدة، كان أول ما لفت نظرى فى حديثه قوله إن مدرستنا – المتفوقة – أحرزت المركز الرابع على مدينتنا فى نتائج العام الفائت، هنا توقفت عند مقارنته للمدرسة مع مدارس المدينة وليس الجمهورية أو حتى المحافظة، يعنى أنه يتحدث عن شأن شديد المحلية، أضف إلى ذلك أن مدينتنا – الصغيرة - ليس بها إلا أربع مدارس ثانوية مما يعنى أن مدرستنا هى الأخيرة، الأمر ليس حالاً للفخر إذاً بل موجب للرثاء.

عندها ابتسمت أنا لما أدركته من حيلة فى حديث السيد المدير، لكن الطلبة الآخرين كانوا ينصتون إليه وكلهم فخر بمدرستهم الجديدة، ربما لأنهم لم يشاركوا فى منافسات الطلبة الأوائل، ولم يخرجوا من مدارسهم أو يستمعوا فى حيواتهم لغير إذاعاتها الصباحية.

ذلك يوضح تماماً - من وجهة نظرى – مشكلة المواطنين العرب مع مواقع الإنترنت، هذه المشكلة ليست وليدة الحقبة الحالية بقدر ما هى نتاج ترسبات عبر حقب طويلة تم فيها شحن هؤلاء عن طريق إعلام داخلى منغلق، ومعلومات يتوارثها الأبناء عن آبائهم تعتمد أساساً على تضخيم الذات وتصور الآخرين وكأنهم مجرد أتباع فى كل المجالات وعلى كافة المستويات، فى الماضى كما الحاضر بل والمستقبل أيضاً، ثم جاءت ثورة الإنترنت فى السنوات الأخيرة لتفتح أمام الجميع بوابات النقاش.

كل البلدان العربية وغيرها فى ساحة واحدة لا مجال فيها لفرض الرأى عن طريق تعلية الصوت، الأمر الذى يجيده العرب، بل لا بد من التحاور ليكتشف كل واحد منفرداً أن ما كرس نفسه لاعتقاده من أفكار ليس إلا خداعاً طويل الأمد الحقيقة فيه مجرد أساسٍ أما المبنى فهو طائفة من المبالغات وأحياناً الأكاذيب.

لقد خرجت الشعوب فجأة من جدران مدارسها باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة، وأصبح عليهم أولاً التشكك والتشكيك فى صحة ما لديهم من معلومات، وثانياً عدم الثقة فيما يقدمه الآخرون من أفكار مضادة لما اعتادوه مع عدم رفض هذه الأفكار نهائياً فربما كانت نسبة صحتها أعلى، وثالثاً على الحكومات أن تدرك هذه الحقيقة وتتعامل مع شعوبها بشفافية أكبر، فهى لم تعد المصدر الوحيد للمعلومات كما كانت قبل سنوات.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة