لا يحتاج الأمر لعبقرية فذة، فالأمر أقرب أن يستنبطه الإنسان العادى البسيط، فمن المؤكد أن الفشل من نصيبنا نحن العرب، أو بالأحرى سلاطيننا فهم المسئولون أولاً وأخيراً عن هذا الفشل على مدى عقود مضت وعقود قادمة، إلا أن يقدر الله واقعاً آخر، أما ملوك الريادة فهم رؤساء ووزراء وجنرالات كيان إسرائيل السرطانى.
فارق كبير بين رئيس دولة شغوف "بالنانو تكنولوجى"، التى أكاد أجزم أن القادة العرب أجمعين لم يعرفوا معناها، وآخر متيم بلعبة "البولز" وهى شبيهه للعبة البولينغ، ولكن فى صورتها البرية، مثال واحد كفيل بتأكيد الفرق الشاسع بين طبيعة فكر القادة فى النموذجين، ففى إسرائيل حتى عندما يرغب القائد فى الترفيه عن نفسه يبحث عن هواية تفيد بلاده ومستقبلها، فعلى سبيل المثال من أكثر هوايات رئيس الموساد الجنرال مئير داغان لذةً فى حياته هو فصل رؤوس الفلسطينيين الأسرى عن أجسادهم بيديه، أليست هواية هادفة لخدمه بلاده؟ ولك أن تعرف عزيزى القارئ أن أول ما تفاخر به هذا الصهيونى فى حفل تكريمه بجائزة رجل العام 2009 لدى إسرائيل، هى هدايا الزعماء والقادة العرب!
حين نقارن بين إسرائيل والعرب من حيث معدلات التنمية ودرجات العلم والتكنولوجيا والنمو الاقتصادى والثقافى والحياة الاجتماعية ومستوى المعيشة، فلا سبيل للمقارنة، إلا بقول واحد "تتذيل الدول العربية أية قائمة خاصة بالتطور والتقدم، وتتصدر أى قائمة خاصة بالقمع وانتهاك حقوق الإنسان".
شتان بين كيان إسرائيل الأوحد المهيمن على السلاح النووى فى الشرق الأوسط بأكثر من مائتى رأس نووية، واثنتين وعشرين دولة عربية فشلت أى منها فى بناء محطة كهرباء محلية الصنع.
فكانت مصر على سبيل المثال أول دولة عربية دخلت هذا المضمار، حيث تشكلت فيها أول لجنة للطاقة الذرية سنة 1955 "بعد بدء البرنامج النووى الإسرائيلى بسبع سنوات"، وأكثر الدول امتلاكًا للعقول والخبرات العلمية فى المجال النووى، كما أنها قطعت شوطًا لا بأس به فى مجال حيازة الطاقة النووية، حيث تمتلك مفاعلين للأبحاث الأول تأسس فى أنشاص سنة 1961، والثانى المفاعل الأرجنتينى الذى تأسس سنة 1998، والمحصلة تساوى صفر، والآن لا تتوانى الدول العربية فى تبديد مقدرات وثروات شعوبها فى استيراد أسلحة درجة ثالثة أكلها الصدأ بمليارات الدولارات سنوياً لتكدس فى المخازن ولنتصدر بها أولى دول العالم فى استيراد السلاح الذى لا نجيد استعماله على حساب رغيف الخبز، والمثير للسخرية هو أن هذه الأسلحة يتم استيراد بعضها من إسرائيل وبالتأكيد يشوب الكثير من هذه الصفقات جرائم مثل التربح، فسوق السلاح أسرع طريق للثراء فى العالم وعالمنا العربى على وجه الخصوص، ولذلك تفرض شروط قاسية على مثل هذه الصفقات تفرض الآتى: "لا يجرؤ أى قائد عربى على تحريك طائرة عسكرية أو نصب صاروخ على منصة الإطلاق بدون ضوء أخضر من أمريكا وإسرائيل".
حين تم زرع كيان إسرائيل فى منطقة الشرق الأوسط وعلى أرض فلسطين العربية بمساعدة وتسهيلات بعض الدول العربية، عمل قادتها على التوسع الجغرافى ويكفيك أن تقارن بين الخرائط لترى المعجزة التى حققها بنو صهيون فى وقت قياسى "ستين عاماً"، ناهيك عن التوسع البشرى ، ففى هذا العام ارتفع معدل هجرة يهود العالم إلى وطنهم الأم إسرائيل إلى معدلات قياسية، فيما تم تهجير ملايين الفلسطينيين من بلادهم منذ عشرات السنين تحت مرأى ومسمع سلاطيننا العظماء، ولم العجب فالشعوب العربية جمعاء هم أكثر شعوب العالم سعياً للهجرة هرباً من جحيم الحياة فى بلدانهم، تحت مسمى الهجرة غير الشرعية، وهى فى الواقع هجرات ممنهجة يفرضها الفقر والقمع والبطالة.
ومن المثير للدهشة هو عمل الحكومات الإسرائيلية المتتالية على تكوين حكومة وطنية تجمع سائر التيارات والأحزاب السياسية، وهذا دليل واضح على الديمقراطية والوحدة فى وجه فرقة العرب وغياب القومية العربية فى ظل غياب الديمقراطية وتعددية الأحزاب وغلبة لغة الأنا وتفشى ظاهرة الخلاف العربى – العربى، ولا سبيل للعروبة والتآخى إلا فيما يهدد وجود هذه الأنظمة، فى هذه الحالة فقط تجدهم يداً واحدة فى وجه عنصر التهديد، وفى هذه الجزئية أطرح سؤالاً لماذا وضد من يجتمع وزراء داخلية الدول العربية كل عام؟، وسماؤنا ومياهنا وأراضينا تعج بها القواعد الأمريكية والأسلحة الإسرائيلية؟
وعن نماذج الفرقة فى العالم العربى، حدث ولا حرج، فتجد مصر أكبر الدول العربية فى خلاف مع سوريا وقطر ومؤخراً الجزائر، وتجد سوريا فى خلاف مع السعودية ولبنان، وتجد السعودية فى خلاف مع قطر والإمارات، والجزائر فى خلاف مع المغرب، وهكذا حتى تكتشف فى نهاية الأمر أن مبدأ الفوضى الخلاقة الذى ابتدعته أمريكا هى فى غنى عنه، فهى أمام أمة مفتتة، أقصى أمنية لشعوبها هى توفير رغيف الخبز.
عندما نقارن بين رجال دين السلطة هنا وهناك، نجد أن رجالنا يصنعوا فتواهم لخدمة أنظمتهم الحاكمة على حساب الدين الحقيقى والشعب، أما عند الصهاينة، تجد دائما فتوى الحاخام تصب فى مصلحه وطنه ومستقبل شعبه.
تستقطب إسرائيل الكفاءات من شتى بلدان العالم للعمل جنبا إلى جنب مع كفاءاتها الوطنية للمساهمة فى صنع نهضتها ودفعها للأمام، ولا تدخر جهدا فى صرف مئات آلاف الدولارات لصنع عالم من ذويها فى مجال ما، فيما يتفنن سلاطيننا فى تهجير وتهميش وتحقير وإهدار أى كفاءة وطنية جدت واجتهدت، فتجد التوريث يهيمن حتى فى الوظائف العامة وإدارة الشركات وليس رئاسة الدول فقط ، وهذا المثال لا ينطبق فقط على الدول الملكية وإنما الجمهوريات أيضا التى أقامها الثوار ليرثها البلداء.
فى إسرائيل أكبر مثال على تطبيق القانون والشفافية هى محاكمة رؤساء ورؤساء وزراء، ولى سؤال آخر كم عدد ضباط الشرطة الذين حوكموا بتهم التعذيب فى أى من الدول العربية؟
يكفينا خزياً وعاراً أن نعرف أن إسرائيل تكافئ وتصفق وتهلل لمن يقتل عربيا ، فيما أصبحت ثقافة المقاومة فى عهود سلاطيننا إثم لا يغتفر.
النماذج كثيرة وكثيرة ولا تتسع مئات المقالات لسرد الفوارق بين ما صنعه ملوك الريادة فى إسرائيل فى كيانهم الغاشم وبين ما خلفه سلاطين الفشل فى الدول العربية من تخلف عن ركب الحضارة وتوقف الزمن العربى القومى عقود إن لم تكن قرون.
فهلا يكف القادة العرب عن كيل الاتهامات لبعضهم البعض، تحت أسماء واهية من قوى المصالحة إلى قوى الممانعة، وهم جميعاً فى واقع الأمر "قوى المصالح الشخصية".
فهلا يكف القادة العرب عن تعليق أسباب فشلهم الذريع على شماعة تعنت إسرائيل وجهل الشعوب وضيق الحال.
باحث إعلامى
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة