لا تسأل لماذا تشيع الكآبة على وجوه الناس؟ لأن ما يحدث فى مصر يصيب بكل الأمراض النفسية، فلا يعقل أن يسرى الجمل وزير التربية والتعليم تحول خلال ساعات إلى وزير فاشل يجب إبعاده فورا، رغم أن الرجل قال لليوم السابع منذ أسبوعين فقط إنه تلقى إشارات مؤكدة عن رضا وقناعة القيادة السياسية بما يبذله من مجهودات، ثم يستيقظ القاصى والدانى فى مصر المحروسة صباح الأحد الماضى على خبر استبعاده، بالتزامن مع حقنه بمصل أنفلونزا الخنازير بإحدى مدارس محافظة 6 أكتوبر لطمأنة أولياء الأمور الرافضين لتطعيم أبنائهم ، بأن المصل آمن.
المفاجأة التى أصابت المصريين بالكآبة فى هذا "الترميم" الوزارى، اختيار الدكتور أحمد زكى بدر وزيرا للتربية والتعليم خلفا "للجمل"، فالرجل يتمتع بعقلية بوليسية قائمة على نظرية "الإخماد"، ويؤمن بحكم أنه نجل وزير الداخلية الراحل زكى بدر، بأن "الإخماد" بشراسة وخشونة فى مواجهة أصحاب الرؤى والاتجاهات المغايرة بكل الطرق أفضل الوسائل لنجاح الإدارة، ومن ثم لم يكن غريبا أن يفاجئ أحمد زكى بدر الجميع ويخوض معركة بالأيدى والشتائم مع العمالة المؤقتة بكلية الزراعة جامعة عين شمس، لمجرد أنهم عبروا عن اعتراضهم بالاعتصام السلمى على العقود الجديدة التى فرضتها الإدارة، والتى أدت إلى تخفيض رواتبهم الشهرية من 300 جنيه إلى 105 جنيهات فقط ، وقال لهم بالحرف الواحد "إنتو النهارده فى أول السنة الجديدة وإنتوا عارفين إنكم حفيتوا واتذليتوا وبُستوا الجزم علشان تشتغلوا عمال، رغم إنكم حاصلين على مؤهلات عليا"، بل تعدى أحد مساعديه على عاملة من المعتصمين بالضرب، مما أدى إلى سقوطها على الأرض ونقلها إلى معهد ناصر.
ولم تكن هذه هى المفارقة العجيبة، وإنما المفارقة الأكثر إثارة، قيام أحمد زكى بدر بإطلاق رصاصة "الرحمة" على مستقبل البحث العلمى فى مصر، مقررا تفريغه من كوادره العلمية، عندما قرر و"بجرة قلم " طرد 400 باحث ومعيد ومدرس مساعد من كليات مختلفة، بدم بارد، ليعملوا فى وظائف إدارية بالجامعة.
الأزمة الحقيقية فى هذا القرار أن "بدر" وفى ظل تطبيقه لنظرية الإخماد تجاهل سلطات مجالس الأقسام والكليات والمشرفين على الرسائل، باعتبارهم ذوى الحق الأصيل فى تحديد مدى التزام الباحثين بالسير فى رسائلهم، والأحق بتقدير استحقاق المعيدين والمدرسين المساعدين لمدد إضافية، ويبرز السؤال: هل ستتحول المدارس إلى أقسام بوليسية؟
أما خبر إسناد المهندس علاء فهمى حقيبة وزارة النقل، فقد سيطر على حديث الناس أيضا، خاصة وأن هناك عاملا مشتركا بين علاء فهمى وأحمد زكى بدر، وهو الإيمان بنظرية الإخماد، فوزير النقل الجديد قادم على حصان أبيض من هيئة البريد ، _ وهى الهيئة التى تحولت فى السنوات الأخيرة إلى مفرخة للوزراء، فقد خرج منها على المصيلحى وزيرا للتضامن، وعلاء فهمى وزيرا للنقل _ بعد أن استطاع أن "يخصخص" الهيئة ويخمد أصوات 51 ألف موظف وعامل بها، وهو ما دفع هؤلاء العمال إلى الإعلان عن إضرابهم عن العمل فى مايو الماضى ومع ذلك رفض " فهمى" كل هذه المعارضة، رغم استغاثتهم بالرئيس مبارك ووزير الاتصالات لإنصافهم وإعطائهم حقوقهم الضائعة فى هيئة البريد، وما كان من علاء فهمى إلا أن منح الشرطة الضوء الأخضر لإلقاء القبض على عدد كبير من العمال، والسؤال: هل تتحول محطات السكك الحديدية لأقسام شرطة؟! هذا التعديل أثار حفيظة كل المتابعين والمراقبين، واتفقوا أن "بدر" و"فهمى" تم مكافأتهما نظرا لدورهم الكبير فى إخماد الحركات الاحتجاجية وتعاونهما الوثيق والقوى مع الأمن فى تطبيق نظرية " الإخماد".
اللافت أن هيئة البريد تحولت فى الفترة السابقة إلى مفرخة للوزراء، وهو الأمر الذى أثار الدهشة فى نفوس المراقبين والخبراء، خاصة وأن الهيئة لم تحقق الطفرات الخارقة فى عهدى وزير التضامن الحالى والذى كان يتبوأ مقعد رئاسة الهيئة، وعلاء فهمى رئيسها الأخير، للدرجة التى دفعت البعض إلى خوض المعارك بين المشتاقين لحمل الحقائب الوزارية فى رئاسة هيئة البريد، الحصان الأبيض الذى يقود إلى مقر رئاسة الحكومة للحصول على الحقيبة الوزارية.
التعديل الوزارى يطرح السؤال.. لماذا تحولت هيئة البريد إلى "مفرخة" للوزراء فى السنوات الأخيرة؟
الأربعاء، 06 يناير 2010 02:12 م