أقامت بالأمس مكتبة حنين، ندوة لمناقشة المجموعة القصصية "كيس أسود مخصص للأزبال"، للأديب العراقى خضير ميرى، ناقشه فيه الدكتور خليل فاضل، استشارى الطب النفسى، والروائى والمخرج طلال سيف، وحضرها نائب قنصل السفارة العراقية الدكتور عصام عبد الحسين، والدكتور أحمد الفايد بمستشفى العباسية، وعدد كبير من الأدباء المصريين والعراقيين.
افتتح الندوة طلال سيف بقراءة نقدية حملت عنوان "كيس أسود مخصص لاستعادة ابن المسيب والحلاج"، ذكر فيها أنه بعيدًا عن فوكو ورامبو وجان جينيه وبحث هيجل عن عالمه المثالى المفترض وتأثيرات سارتر وغيرهم فى تشكيل ثقافة خضير ميرى الظاهرة فى أعماله السابقة مثل "الذبابة على الوردة"، فقد رأى القارئ أن "كيس أسود مخصص للأزبال"، فى قصصه الأربعة هو استعادة للموروث الثقافى والفكرى للعراق عبر تاريخها مسقطًا الحالة فى النص الأول "كيس أسود مخصص للأزبال" على ما حدث للزاهد سعيد بن المسيب على يد الحلاج وأيضًا شبه الجلاد الذى دمعت عينيه فى نهاية القصة بجلاد الحلاج.
كما تطرق طلال سيف إلى قصة "الهروب إلى شارع الهرم" إلى خصوصية العمل المحلية، وقد شبه الانتقام البطولى لبطل القصة فى جسد الفتاة الأجنبية هو مجرد هروب كما فعل قاتلو الحسين بن على بهروبهم المقيت، عندما سألوا فقيههم عن "الصلاة فى رداء ملوث بدماء أو خراء البراغيث".
وقدم الدكتور خليل فاضل دراسة نفسية تحليلية للمجموعة، أشار فيها إلى مفهوم الاستبداد والطغيان، وهدر الإنسان كإفراز طبيعى للقمع، وأشار إلى الموروث الثقافى والإنسانى والسياسى فى المجموعة القصصية، ومصادرة الذاكرة والهوية والتماهى معًا، وأيضًا أشار إلى علاقة نصوص المجموعة بما أسماه "الترويض والمدرسة السلوكية" وعن الحاجة إلى الأمن، وتلاعب المستبد، وهو ما يتجلى فى أعمال ميري، وتطرق أيضًا إلى أهمية التراث كونه القوة المركزية المهيمنة على الثقافة العربية.
وتحدث الشاعر سعدنى السلامونى عن القيم الإنسانية فى العمل وخبرات الحياة وزخمها، وكيف وصف خضير تلك التجربة المريرة، كما أن العمل عند خضير يتصف بنوعية معينة من الأدب المعروفة مثل "أدب السجون"، كما أشاد إلى أن ميرى يجيد استخدام المفردة بشكل لا مثيل له.
أوضح المخرج العراقى توفيق السعد فى مداخلته، الأسلوب الأدبى عند ميرى وأنه فى تأسيسه لنمط الكتابة يرتمى فى أحضان ما بعد الحداثة إن جاز التعبير، كما ركز على لغة الصورة فى "كيس أسود مخصص للأزبال"، وقد وصفها بأنها أقرب الأعمال الأدبية المطروقة على الساحة للسينما الأوروبية.
فيما ركز الروائى العراقى حسن متعب على فكرة المخادعة فى أدب خضير، وكذلك أنسنة الأشياء، وضرب مثلاً بقصة "الهروب إلى شارع الهرم"، الذى رأى فيها إنسانية مطلقة فلا يمكن أن تعرف جنسية كاتبها إلا فى نهاية العمل حينما تطرق الكاتب إلى الاحتلال والصراع مع المحتل الأمريكى.
وقال الكاتب محمد السلامونى إن خضير ميرى لا يبحث عن الجنون كما هو مشاع عنه بل إن بحثه الدائم عن العقل، وأشار إلى أهمية اللغة التى جاءت فى نصوص المجموعة كمثال حى على ضرورة اللغة فى الإبداع.
وقدم خضير ميرى فى نهاية الأمسية جانبًا من حياته فى المصحات، وكيف أن الجنون ينطوى على أسرار وخفايا لا يبدو الأدب إزائها إلا متواضعًا، كما أكد على أن الكتابة بالنسبة إليه هى نوع من إعادة الاعتبار للمصحات النفسية والعقلية، وذلك لأن الجنون هو تهديد ضمنى لليقين العقلى الزائف، الذى جر على العالم الكثير من الويلات والكوارث، كما فاجأ ميرى الحضور بإصراره على تلبية دعوة الدكتور أحمد فايد لزيارة مستشفى العباسية قائلا: "لو خيرت بين الذهاب لأخذ نوبل والعباسية لفضلت العباسية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة