غريب هذا المزاج الكروى التشجيعى المصرى، وخاصة هؤلاء الذين كنت أشاهد مباراة "مصر وغانا" بجانبهم، فهو مزاج قادر على التغير والتقلب واتخاذ أشكال متناقضة فى أقل من لحظة واحدة، وذلك تناسبا مع قدرة لاعبيه على تنفيذ رغباته وتكتيكاته وفنياته الكروية "التخيلية" حتى وإن كان صاحب هذا المزاج لم يلمس كرة قدم طوال حياته، الأهم عنده أن ينفذ هذا اللاعب الظاهر أمامه عبر شاشة التليفزيون ما يمليه عليه خياله هو، وإلا انهال هذا المشجع المشاهد بالنقد وتلاوة سلبيات اللاعب الذى يحمل عبء ضرورة إسعاد 80 مليون مصريا ورفع رأس قيادته السياسية، وإنقاذ مديره الفنى من أمراض السكر وضغط الدم.
أزمة المشاهد المصرى تكمن فى تسليمه لعقله وقلبه وحواسه أسرى إلى شاشة التليفزيون بكامل دون أن يعلم أن هذه الشاشة قد تنقل له مشاهد خادعة من خلال زوايا التصوير غير الحقيقية والتى قد تظهر الكرة داخل الشباك رغم أنها خارجه تماما، ورغم أن المشاهد من حقه "العشم" فى لاعبيه، إلا أنه لابد وأن يتسم بـ "الثقة" فى هؤلاء اللاعبين سواء كان النصر نصيبهم، أو أن الهزيمة "قدرهم".
طوال المباراة، وحتى هدف "جدو" لم يتوقف هؤلاء المشاهدين المشجعين"المتخصصين المثقفين"الذين شاهدت المباراة بجوارهم، عن انتقاد وذكر جميع سلبيات أية لاعب تسول له نفسه بإهدار كرة، ورغم ذلك فإن هؤلاء المشجعين أنفسهم لا يمتلكون القدرة على منع أنفسهم من مديح نفس اللاعبين عند تقديمهم لأية"لعبة حلوة"أو تسديدة خطيرة، حتى وإن كان هذا الانتقاد والمديح فى مساحة زمنية لا تتعدى الدقيقة الواحدة، وهو ما يدل على سيطرة"الهوس الكروى"على عقولنا وحواسنا دون تحكم عقلى فى قراراتنا وأحكامنا، لكن هيهات أن يستمع لى أحد ويتخلى عن هذا"الهوس الممتع" والدليل أننى شخصيا لن أتخلى عنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة