كانت مصر منذ قيام الدولة المصرية الحديثة وعلى مدار تاريخها وحتى قيام ثورة يوليو 1952، كانت تتبع نظام حكم تابع لجهات أجنبية مختلفة، لعدة إمبراطوريات وكان آخرها بريطانيا، وكان الصراع على أشده بين القصر وبعض ساسة مصر على التبعية، فمنهم من يتبع الإنجليز ومنهم من يتبع الألمان أو الباب العالى أو يتبع جهات خارجية أخرى ولكن كانت هناك قلة قليلة من كبار الساسة المصريين تعمل لصالح مصر وشعب مصر، وكان الشعب المصرى فى ذلك الوقت يعيش أبهى عصور الوحدة الوطنية باتحاد واندماج الهلال مع الصليب وكان الشعب المصرى نسيجا مصرياً واحدا بعد عصور كفاح مشترك اختلطت فيه دماء الأقباط مع دماء المسلمين فى الكفاح الأول لطرد الرومان وتحرير شعب مصر القبطي، مرورا بالجهاد ضد المستعمر الأجنبى لمصر، لا فرق فى هذا بين مسلم ومسيحى "أو قبطى"، ولم تحدث مظاهر لصراع بين مسلم ومسيحى، حيث كان التسامح والتآخى يشمل المسلمين والمسيحيين الذين أوصى الله بهم خيراً فى كتابة العظيم "القرآن الكريم"، وتعاطف المصريون دائما مع كل الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها فى العالم.
فى خلال تلك الفترة وحتى الآن ظهرت اتجاهات دينية كانت مختلفة فى تسامحها ولكن كانت جميعها متسامحة سواء بالنسبة للمسلمين أو للإخوة الأقباط، ولم يظهر أى اتجاه لإشاعة الخلاف والعداء بينهما اللهم بعض أساليب الاستعمار البريطانى الذى كان حريصاً على تطبيق مبدأ فرق تسد الذى يجيده ولكنه لم يفلح فى زرع الشقاق والخلاف والصراع بين المصريين مسلمين ومسيحيين، وذلك لعمق الترابط بينهما، وكان كل من المسلمين والمسيحيين فى ذلك الوقت يعرف ويعلم الأمر بالتسامح والتآخى بين الشعب المصرى من الفريقين اللذين كانا فريقاً واحدا متجانس النسيج.
وعلى مدى مايقرب من مائتى عام كانت تشعر الغالبية العظمى من المصريين أن الوقوف إلى جانب العدالة، على المستوى الإقليمي، إنما هو دفاع عن الحق وبالتالى دفاع عن مصر فى وحدتها الوطنية، وذلك بسبب ما عانته مصر من ظلم وعدوان، وكانت الوحدة الوطنية من مكونات الشخصية المصرية، وتجلى ذلك فى فترة وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزى، حيث ساندت مصر كل المظلومين، خاصة الشعوب العربية والإسلامية والإفريقية الشقيقة، وساعدت معظمها على ممارسة الصراع لنيل استقلالها، وبالذات الشعب الفلسطينى، عندما اشتركت القيادة المصرية فى ذلك الوقت "قبل قيام ثورة 1952"، فى حرب فلسطين الأولى عام 1948، علاوة على مواقف مصر التاريخية فى التصويت فى المنظمات الدولية فى كل العصور الملكية والجمهورية، وتجلى هذا فى قيام مصر فى عهد الثورة، فى الوقوف فى وجه الولايات المتحدة، وكانت مصر دائماً حريصة على المحافظة على المصالح العليا لمصر، ولكنها عندما خاطرت بدخول حروب مع إسرائيل كانت جادة فى خوضها فى الوقت الذى كانت قوى عربية أخرى تخون القضية وتتربح من قيام تلك الحروب.
ولكن ومع الأسف الشديد تراكمت أحقاد بعض من يوصفون بأنهم مصريون وكانوا يحاولون إيجاد مكان لهم على ساحة اتخاذ القرار السياسي، وفرض مبادئهم ورغباتهم، بدءا ببعض قيادات الإخوان المسلمين بعد وفاة المرحوم الشيخ حسن البنا، فانحرفوا بدعوته وحولوها دمارا على شعب مصر وحرية شعب مصر أقباط ومسلمين، خاصة بعد اعتقادهم بأن جمال عبد الناصر خانهم وعذبهم بعد واقعة محاولة اغتياله بالمنشية بالإسكندرية سنة 1954، وأصبحت مؤامراتهم مثل كرة الثلج واحتد الصراع بين الحكومة والإخوان المسلمين، وطال الشعب المصرى على الأقل بتقييد حريته بسبب منطقى وهو منع الفوضى التى تسعى إليها تلك الجماعة بين فئات الشعب المصرى وهو مايرضى تلك الجماعة لحقدها عليا لشعب المصري، وتطبيقها مقولة شمشون الجبار "عليه وعلى أعدائى".
ومن جهة أخرى ظهرت بعض الهياكل البشرية التى اعتقدت أنها بالتصفيق للرئيس جمال عبد الناصر أو الرئيس السادات والتملق لحكميهما تصورت أنها قيادات سياسية حقيقية، فكونت أحزاباً هيكلية بدون جماهير ولكنها مثل الجمعيات الخيرية التى تنتظر المساعدات، واجتمعت المجموعتان مجموعة الإخوان المسلمين المنشقين على مبادئ الشيخ حسن البنا، ومجموعة المرتزقة التى تسمى نفسها بأسماء أخرى غير مصر، ويحملون شعارات انتماء إلى أشياء أخرى غير مصر، متغافلين أو متجاهلين أن الموقف السياسى الحالى يهدد الأمن القومى المصرى.
ومن جهة ثالثة سارع بعض المتملقون والآكلون على جميع الموائد بالتسلق والتملق والإندفاع نحو الإسراع بالانضمام إلى الحزب الأول والأخير فى مصر وهو الحزب الوطنى لأنه حزب رئيس مصر، ولم ينضموا سعياً لخدمة مصر ولكن لتحقيق أطماعهم وأغراضهم المختلفة ومنها تحقيق الثروات من المال الحرام ومن دماء الشعب المصرى لا يأبهون بمشاكله ولكن يقوم بعضهم بالاشتراك فى إشعال الفتنة الطائفية.
ومع هؤلاء راحت الدولة المعادية الأولى لمصر وهى إسرائيل مع بعض الدول التى يهمها إضعاف مصر، راحت تدعم إثارة القلاقل والمشاكل فى داخل مصر، فماذا يفعلون؟.
بدأ الجميع فى أفعال كثيرة منها التحريض على فتح سيناء لشعب غزة الشقيق لتفريغ فلسطين من شعبها، ومنها إثارة الفتنة النائمة وهى إثارة الفتنة فى الوحدة الوطنية فبدأ بعض جهال الوطنية المصرية فى إثارة المشاكل باغتيال بعض الإخوة الأقباط أو قيام بعض شباب المسلمين بالإمعان فى إبداء إيمانهم وإسلامهم بممارسات تثير الإخوة الأقباط، بالرغم من أن هذا منافى قطعاً لتعاليم الدين الإسلامى.
بالإضافة إلى الوقوع فى المحظور من بعض من ينتمون إلى الحزب الوطنى باستثارة النعرة الإسلامية والدعوة إلى التعصب لكسب أصوات المسلمين جميعاً وهو عمل كان محظورا على مدار التاريخ، وبدأت مظاهر الفرقة الوطنية فى شكل ميكروفونات تذيع الأذان والصلاة بالتفصيل وهو غير مطلوب دينياً، وبدأت الفلول التى انحرفت عن خط الشيخ حسن البنا فى إثارة الفتنة والتحريض عليها لكسب أصوات الغالبية المسلمة وبالتالى بدأ الإخوة الأقباط بفعل المثل، وهنا يتجلى الخطر.
ولكن هل هناك فعلاً تهديدا حقيقيا للوحدة الطائفية وهل هناك فعلا فتنة طائفية، إن الغالبية العظمى من المصريين المسلمين والأقباط غير المتعصبين مازالت تتمتع بحياة أخوية يتشابهون فى كل شيئ فهل لنا من استغاثة.
ارحموا مصر من الفتنة، إن الأمن القومى المصرى الداخلى مستهدف ايضا بإثارة الفتنة ياسيادة الرئيس، فلماذا لانطبق المبادئ التى كانت تطيق فى العهود السابقة، حتى نمر من مشكلة اليهود وحتى تتعافى مصر من الدستور العقيم السائد، ومن المرض العضال الإدارى الذى يضرب فى حكومتها والضعف الذى ينال من وزرائها.
إن أعداء شعب مصر يحاولون الآن ضرب الأمن القومى المصرى الداخلى بإثارة الفتنة الطائفية، ويحاولون فى نفس الوقت ضرب الأمن القومى المصرى الخارجى، بإثارة المشاكل مثل المناداه والصراخ لفتح معبر رفح وإلغاء الحاجز الفولاذى حتى تهاجم حماس مصر من الشرق إما بتسريب الإرهابيين أو بتهريب السلاح للإرهابيين داخل مصر لضرب الأمن القومى الداخلى، وأخيراً يتحقق حلم وهدف إسرائيل باحتلال سيناء إلى الأبد.
ولكن ثقتنا كاملة فى أن جيش مصر وقوات أمن مصر قادرة على حسم المواقف فى الوقت المناسب ولكن أخشى ماأخشاه أن تسيل دماء الشعب المصرى على أرض مصر كما سالت كرامته من حكومات ضعيفة لاتستطيع القيام بدورها الإدارى.
* دكتوراه إدارة أعمال ورجل أعمال
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة