الوقف المتبادل لإطلاق النار بين السلطات السعودية، والحوثيين على الحدود اليمنية السعودية، لم ينه حالة الجدل حول المستقبل السياسى للمتمردين الحوثيين الذى يتخذون من شمال اليمن مقراً لهم، خاصة فى ظل الاتهامات الموجهة لهم من جانب الحكومة الصومالية بإمداد تنظيم القاعدة فى اليمن، وفقاً لما ذكره شيخ يوسف محمد سياد وزير الدفاع الصومالى عن ارتباط الحوثيين اليمنيين بتنظيم القاعدة، وقال "إن الحوثيين يمولون القاعدة هناك فى الصومال والقاعدة فى الصومال متعاطفة معهم فى اليمن".
ما قاله وزير الدفاع الصومالى يتسق مع وجود 70 ألف من مواطنى بلاده يعيشون فى اليمن وليس ببعيد أن يكون من بينهم خلايا نائمة لتنظيم القاعدة فى الصومال وهذا يؤكده السياق الزمنى الذى ظهرت فيه عمليات القاعدة بقوة ووضوح، بالتزامن مع تمرد الحوثيين، فكل طرف يحاول أن يحقق أهدافه فى هذا الموقف الزمنى الحرج بالنسبة للحكومة اليمنية.
اليوم السابع زار اليمن للبحث عن جذور تمرد الحوثيين وعلاقته بأطراف صراع أخرى حيث يعيش اليمن اليوم ثلاث قضايا رئيسية تتطلب منه ومن محبيه وقفة تاريخية، قضية انفصال الجنوب وقضية الحوثيين وقضية القاعدة، بينما تقف الحكومة اليمنية موقفا لا تُحسد عليه فى مواجهتها مع هذه القضايا الثلاث التى واحدة منها كفيلة بهز عروش وزحزحة جيوش، أما التمرد الحوثى فى صعدة شمال اليمن فلابد من معرفة الجذور الفكرية والتاريخية لنشأته، ولابد من التعرف على الزيدية، خاصة زيديه اليمن التى تمثل الإطار المذهبى الفكرى الذى تخلقت فى رحمه ومرقت عنه، فالزيدية تعتبر إحدى فرق الشيعة الثلاث التى تضم بجانبها الاثنى عشرية والإسماعيلية ، وهم القائلون بإمامة أمير المؤمنين على بن أبى طالب والحسن والحسين وزيد بن على عليهم السلام، وبإمامة كل فاطمى دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ومن أهل العلم والشجاعة.
لقد أرسى الإمام الهادى مجمل الشروط العقَدية والفكرية والسياسية والعوامل والمتطلبات المادية والاقتصادية والاجتماعية اللازمة لاستمرار حكم اليمن بيد أولاده وذريته التى أضحت تسمى بيت حميد الدين ، واستمرت تحكم اليمن حوالى أحد عشر قرناً شهدت فترات انقطاع كانت سلطاتهم تتأرجح، بين القوة والتمدد لتشمل معظم أجزاء اليمن، وبين الضعف والانحسار حيث تتقلص سلطاتهم حتى جبال صعده الحصينة، وعبر هذا التاريخ ظلت صعده على الدوام معقل الأئمة، منها ينطلق مدهم وإليها يؤول جَزْرُهُمْ السياسى والعسكرى.
القضاء على هذا النظام مثّل حاجة وطنية للخروج باليمن من شرنقة العصور الوسطى إلى رحاب العصر والتقدم الحضارى والانعتاق من أغلال الظلم والتخلف والاستعباد الداخلى، وعودة السلطة إلى الشعب اليمنى مالكها الحقيقى، هذه الحاجة الوطنية تمثلت فى ثورة 26 سبتمبر 1962 والتى سعت إلى القضاء على سلطة بيت حميد الدين والمنظومة الفكرية العقائدية والسياسية لحكمها الذى استمر أحد عشر قرناً، وخطط لهذه الثورة تنظيم الضباط الأحرار.
ظلت فكرة الإمامة تطل برأسها بين الحين والآخر وعبر مراحل التاريخ المعاصر بأشكال ووسائل وأساليب مختلفة، وكان آخرها الوجه الراهن المتمثل بحركة التمرد الحوثية التى يمثل بيت بدر الدين الحوثى وولده حسين نواتها الاجتماعية، والسياسية والعقائدية الفكرية، حيث تقوم برامجها السياسية على أساس فكر وعقيدة الأمامية الاثنى عشرية، وبالرغم من خصوصيتها اليمنية من حيث النشأة إلا أنها من حيث فكرها النظرى وأبعادها وأهدافها الاستراتيجية وترابطها وتكاملها مع قوى أجنبية، لا تمثل حالة يمنية استثنائية معزولة عن إطارها الإقليمى سياسياً وعقَدياً وعسكرياً، بقدر ما هى أحد إفرازات الثورة الإيرانية الخمينية وفكرها الذى تم تصديره إلى المنطقة العربية خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وتمثل من حيث الشكل العام إعادة استنساخ لنموذج إيرانى واقعى معاصر فى لبنان، وتتجانس مع هذا النموذج فى المضمون والمركب الفكرى العقائدى وفى بعض ملامح البناء الحزبى والتنظيمى والعسكرى، وفى الوظيفة التاريخية والاستراتيجية.
غير أن عام 1986 يمثل تاريخا هاما فى فهم قضية الحوثيين حيث رجع الشيخ مقبل الوادعى إلى صعدة فى اليمن بإيعاز من السعودية التى كان مقيما فيها معتنقا لفكرها الوهابى وذلك بهدف إيجاد موطئ قدم فى المحافظة القريبة من حدودها، وهى صعدة لصد المذهب الزيدى وبذر الفكر السنى هناك وذلك عبر إنشائه لـ" دار الحديث".
استغل ذلك الرجل القهر والمرض وتدهور الأوضاع لسكانها فكان يقدم مساعداته التى تمده بها السعودية، وعندها شعرت الزيدية بالاستفزاز لاسيما من الأفكار التى بدأ الوادعى يبثها فى تلاميذه وخاصة عبر كتابه "رياض الجنة فى الرد على أعداء السنة"، فرد الشيخ بدر الدين الحوثى وهو المرجع الأول للشيعة فى اليمن بكتاب شديد اللهجة، وبدأ الحوثيون فى إقامة قنوات الاتصال مع إيران لمعرفتهم أن الحكومة لن تساعدهم ، كان حسين الحوثى ابن بدر الدين متأثرا بحسن نصر الله ومعجبا بالثورة الإسلامية فى إيران فسافر إلى هناك وتأثر تأثرا شديدا بالمذهب الاثنى عشرى والجار ودى، وهى مذاهب شيعية متشددة تعتمد على الفكر الثورى والمواجهة.
اعتمد الحوثيون فى ذلك الوقت على مبدأ " التقية" وهو مبدأ أصيل فى الفكر الشيعى يبيح للإنسان أن يظهر خلاف ما يُبطن وذلك حتى يتمكنوا من التغلغل فى الدولة، وعندما عاد حسين إلى اليمن بدأ حربا فكرية جديدة وأصدر ثلاثة كتب فى الرد القوى والدعوة للمواجهة والاستقلال.
إيران لها شعور بمكانتها فى اليمن منذ عهد الإمام الهادى ذى الأصول الإيرانية، وهو ما زاد التعاطف والدعم بينها وبين الحوثيين على مختلف المستويات.
تاريخيا كانت صعدة موطن التعصب المذهبى والفكرى عبر مدد زمنية مختلفة، لذلك كانت هى المكان المهيأ للمواجهة التى بدأت بالفكر ثم تطورت لتصل إلى ما وصلت إليه الآن، خاصة بعد حرب الوحدة بين الشمال والجنوب حيث حدث انفتاح كبير بعدها وبدأ الانتقاد والإصلاح والعمل السياسى الذى تزامن أيضا مع زيادة الدعم السعودى لجماعة "مقبل الوادعى" الذى كانت مؤسسته العلمية (دار الحديث) تتمدد وتتغلغل فى نشر الفكر السلفى الوهابى.
الحكومة اليمنية بدأت تشعر بالقلق مما يحدث فى صعدة، فقررت مغازلة الشيخ حسين الحوثى" رئيس حزب الحق" حتى يضرب الوجود الوهابى هناك، ووعدته بالتمويل المادى وطلبت منه السعى فى إقامة حزب جديد، وهنا تكمن الإجابة على السؤال: من أين للحوثيين بكل هذا السلاح والمال؟".
بدأ حلم حسين الحوثى يتحقق وبدأ اتصاله بإيران يزداد ويتطور وكان سوق "الطلح" القريب من الحدود السعودية هو مصدر الأسلحة المتنوعة له ولأتباعه.
ومضت السنوات والفكر الحوثى ينتشر والمدارس والمراكز تُفتح والزيارات الإيرانية لعدد من المرجعيات وعدد من عناصر الحرس الثورى هناك تزداد، حتى كان عام 2004 عندما بدأ الحوثى يطالب بالحكم الذاتى وقام بفرض إتاوات على المواطنين هناك وبأخذ الزكاة- زكاة الخمس حسب المعتقد الشيعى– وأنشأ عددا من المحاكم الخاصة وبدا الموقف كأنها دولة داخل دولة، كل ذلك فى إطار الفكر الجديد للمذهب الجارودى والاثناعشرى المتشدد.... أما إفاقة الحكومة اليمنية فكانت متأخرة.
اليوم السابع يكشف حقيقة علاقة "الحوثيين" بـ"القاعدة"
السبت، 30 يناير 2010 01:15 م
مراسل اليوم السابع فى اليمن
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة