د.عادل السيد

اليمين الأوروبى وسويسرا

الأحد، 03 يناير 2010 07:25 م


تطور اليمين الأوروبى فى الثلاثين سنة الأخيرة تطورًا نظريًا بالغًا، فقد كان موضوعه الشعبوى الرخيص فى ثمانينيات القرن الماضى هو الوضع المجتمعى المهمش - وعن قصد بالغ - للعامل التركى والبلقانى السلافى، بالإضافة إلى المغاربى العربى وحتى المصرى فيها، حيث كان هذا العامل، الباحث عن لقمة عيش لا يجدها فى بلده الأصلى، يصور على أنه القابل لأى عمل مهما كان أجره متدنيا ويعمل تحت ظروف بالغة القسوة كالحيوان من مطر ورياح فى الصيف والخريف إلى صقيع وثلوج فى الشتاء، ويسكن فى مساكن تشبه حظائر الماشية إذا اقتصرت الغرفة الواحدة منها على أربعة أفراد شكلت لهم نعيمًا قائمًا، ويتحرك فى أوقات فراغه فى مجموعات رجالية خالصة لتفريغ كبت جنسى حمله معه من الشرق المكبوت، علمًا بأن منطقة البلقان تاريخيًا تمثل لأوروبا الثرية بداية الشرق، فقد كانت خاضعة للعثمانيين، "أجدادنا"، وتاريخها البالغ القسوة لا يختلف عن تاريخنا بأى حال.

وكانت الأحزاب اليمينية المسيحى منها والعلمانى يستخدم كل هذا كدعاية رخيصة له وللتحريض على أن ابن البلد، الديمقراطى والأشقر الوسيم والهوليودى الباسم المنعم والمرفه، مهدد فى رزقه من البائس الغريب، والمهم فى هذا الأمر إبراز عدم ديمقراطيته بالطبيعة لا بالولادة، فحتى كبته الجنسى يهدد بيوتات ابن البلد وعرض نسائه وبناته، أى حريمه، إلخ من مهازل. وهكذا ارتفعت أسهم يورج هايدر وبلوخ ولوبن وغيرهم من أقزام اليمين ليبدأ حراك بعضهم من على هامش السياسة فى بلادهم إلى قلبها، وصلت لتوليهم الوزارة فى بعضها، مما شكل لبعض الحكام والساسة من العرب لغزًا، حيث صار أولادهم أصدقاءً لبعض أعمدة اليمين الأوروبى، أمثال هايدر والذى نعاه البعض منا كآخر فلسطينى، أرجعه البعض لموقف هؤلاء من قضية اليهود وإسرائيل وموقفهم العدائى المتأصل من السامية، فصلحت للبعض منا مقولة "عدو عدوى صديقى"، والتى قد تصح أيضًا بإهمال حكامنا لمواطنيهم وشبابهم فى الخارج فيما يشبه العداوة أيضًا، لتصبح المقولة الساذجة والخرافة حقيقة لا تقبل الجدل.

ومع نهاية الحرب الباردة فى أوروبا، وبالتدريج بدأت أنواع جديدة من التهييجات المجتمعية تحل محل القديمة بحلول نوعية جديدة من الساسة على ساحة اليمين تعرف، بعد أن درست وبعناية، كيفية مخاطبة الشباب الغير راغب فى مساندة الأحزاب التقليدية الكبيرة من اليسار إلى الوسط، لتقدم له الإسلام والمسلمين فى أشكال كرتونية، فتصوّره زاحفًا ليحتل أوروبا من داخلها ودون سلاح، فأصبح العامل المتدنى الأجر متأسلمًا وهابيًا، إن لم يكن قنبلة موقوتة ونائمة تحت قدميه، وديكتاتورًا لبيته -فهو طبقًا للصورة الجديدة والمرسومة له - يجبر نساءه على لبس الحجاب والنقاب، ويلزم بناته القُصَّر وبالقوة على الزواج ممن لا يعرفنه ولا يرغبنه، ليعود المتأسلم ليشكل قنبلة سكانية ديمغرافية على كل أوروبا، فبعد أن كان يصلى فيما يسمى "بمساجد"، عالية الرطوبة وعطنة الرائحة وذات إيجارات خيالية، حيث إنها كانت فى الأصل ورشا صناعية مهجورة ودكاكين أفسلت وجراجات بائرة وغير مستخدمة، أصبح يبنى المساجد الشاهقة وذات المآذن العالية ليغير ليس فقط فى ديمغرافية أوروبا، بل فى أسلوب البناء فيها- لتعود لتكون الكذبة تلى الكذبة هى الأصل فى كل الرواية اليمينية.

وأخيرًا فالديمقراطية المباشرة ليست هى اليمين، ولكن الأخير يستطيع أن يؤثر فى الأولى ويستخدمها كسلاح ضد الغريب كما حدث فى سويسرا، فمنذ ما يزيد عن مائة عام قرر مواطنو هذا البلد المسالم والوديع، صاحب الديمقراطية المباشرة، معجزة العصر، والغنى من مال حكام العالم من الثانى حتى الخامس، والأشقر ذو الراية ذات الصليب الأبيض يتوسط بقعة حمراء، والتى قد ترمز للشرف لا للون الدم، وفى استفتاء مباشر أيضًا منع ذبح الحيوانات على الطريقة الشرقية، ليتضح بعدها أن هذا العمل كان موجهًا ضد مواطنيها من اليهود، والذين كانوا يستخدمون هذه الطريقة بالذات للذبح الشرعى. فلعلها كانت مصادفة ككل المصادفات، ولكنى أرى أن التاريخ يجبر "المتأسلم"، ودون قصد منه كالعادة، على لعب دور اليهودى التاريخى، وإن كان، فعلى الأرض السلام وللناس المحبة!

* أستاذ علوم سياسية – جامعة أنسدروك – النمسا


أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب



الرجوع الى أعلى الصفحة