لعل ما حدث، وما زال يحدث الآن على أرض سيناء- من تطورات أمنية مخيفة- تجهله القاعدة العريضة من الجماهير، حتى من قاطنى منطقة سيناء ذاتها، ليس لأنه بالشىء القليل- لا سمح الله- ولكن لأنه أُريــد به ذلك..
ففى ظل حالة التعتيم والمراوغة التى نشهدها حاليا سواء من قبل الحكومة أو المسئولين على حـد سواء، لن تظفر بشىء من الحقيقة إلا بشق الأنفس، أو بالمصادفة إذا كنت من ذاك النوع المحظوظ!
سيصل إلى مسامعك كلام وأقاويل وإشاعات، قد ترقى لمبالغات، وستظل فى حيرة من أمرك لا تدرى أيا من ذلك الصواب، وأيا منها الخطأ، لا تدرى أيهما تصدق وأيهما تكذب!، وتضيع صورة الحقيقة هباء وسط زحام الرائجات.
هذه هى عادة حكومتنا المبجلة دائما، المخادعة والتضليل ومداراة الأمور، أو إن شئت فقل (عدم المصارحة والاعتراف بالأخطاء).. ولعل هذه حقا هى مصيبتنا الأولى فى هذا البلد.. ستجد أن هناك الكثير من المسئولين يخلطون عمدا بين مفاهيم أشبه بإثارة الرأى العام، والتهدئة، والاعتراف بالخطأ! فى محاولة صريحة لإيجاد مبررات واهية تكون ستارا لهم فى مثل هذه الأحداث..
فهذا الصمت الحكومى "المريب" نابع من حرصها على عدم إثارة الرأى العام، أو تهدئة المواطنين، فالقضية لا تحتمل حتى مجرد تصريح لطمأنة المواطنين!
يقولون إن الصمت أحيانا ما يكون مفيدا، إن الصمت لدى حكومتنا دائما ما يكون مفيدا!
والحقيقة أن هذا النهج المخادع والسياسة التضليلية البحتة التى تصر الحكومة على اتباعها فى العديد من قضاياها الخاصة تصلح فى بعض الأحيان، لكنها لسوء حظ الحكومة (وحسن حظنا نحن) لا تصلح فى كل الأحيان!
ومع أن الأمر لا يحتمل التحدث عن حدث منفرد، فكثيرة هى أحداث الحكومة وقضاياها المريبة، بيد أن ما يحدث الآن من حولنا استنفرنى بشدة، ولم أجد سبيلا للتعبير عن تلك المشاعر التى اختلطت على أنا شخصيا سوى بكتابة هذه الكلمات!
منذ بضع أسابيع قليلة كانت بداية تفاعلى مع هذا الحدث، إذ شهدت إحدى حوادث السطو المسلح- والتى انتشرت بشكل مبالغ فيه فى الفترة الراهنة- شهدتها مرأى العين، للوهلة الأولى ظننت أننى بصدد أحد مشاهد السينما العتيدة، التى يقف فيها اللص الملثم– بنسخته العربية أو الغربية- ساطيا على إحدى سيارات المواطنين المساكين تحت تهديد سلاح أبيض أو نارى (فكلاهما سواء فى مثل هذه الأوضاع) ، مطالبا إياه بتفريغ أثمن ما لديه فى مقابل النجاة بحياته!، وبالطبع لا يملك المواطن إلا أن ينصاع صاغرا إلى أوامر هذا المعتدى، فقصص الشجعان ليس لها مكان فى مثل هذه الأوقات العصيبة بل إن البعض يضع الموازنة الشهيرة نصب عينيه (إما أن تموت شجاعا أو تعيش جبانا) وكثيرون هم من يفضلون الاختيار الثانى..
لا تتخيلوا كم الذهول والصدمة- والدهشة فى ذات الوقت- التى أصابتنى بعد انتهاء هذا الحدث، والذى شهدته لأول مرة بحياتى، لم يفصلنى عنه سوى بضعة أمتار، لدرجة أننى شرعت فى الضحك بشكل غير متماش إطلاقا مع الموقف بل ومثير لاستفزاز المسطو عليهم الذين عهدتهم فى حالة يرثى لها!
لكننى حالما ألممت بفرائسى وبدأت فى التفكير بعقلانية مجددا، أدركت حتما أن ثمة أمرا ما وراء هذا الفعل، مدينة العريش التى لم نسمع بها أى أشياء مماثلة من قبل، تحدث بها حادثة سطو مسلح!! يا للعجب!، والأغرب الطريقة التى تمت بها.. (عينى عينك) فى منطقة وسط العمران وأمام مرأى ومسمع من المواطنين، بل (وصدق أو لا تصدق) كانت على بعد شارعين لا أكثر من المؤسسة المسئولة عن حفظ الأمن فى جل هذه المحافظة (مديرية أمن شمال سيناء!).
مر اليوم وظننت عبثا أنه حادث عابر، لم ألق له بالا، ولم أشغل نفسى بحياكة تفسير منطقى لما حدث ، ولو أننى بقيت محتفظا ببعض الأفكار الشبيهة إلى أن ثمة ما وراء هذا الحدث الغامض المثير، لكنى حينها لم أكن أعلم أن هذا الحدث ما هو إلا مقدمة لسلسلة مريعة من حوادث السطو المسلح عمت ربوع مدينة العريش فى الأيام والأسابيع التالية له ناشرة حالة من الاحتقان وجوا عاما من الاستياء والخوف والرهبة لدى المواطنين!.. انتشرت الشائعات وتناثرت الأقاويل، وكالعادة لم يخرج لنا مسئول واحد يهدئ من روع المواطنين ولا هذا الجو المحتقن لا أحد يطمئن الناس- ولو عن طريق التضليل- ويضع حدا لما يقال!!
والغريب أن هذه الأحداث لم تأخذ أى صبغة إعلامية، فلم أكد ألحظ أى خبر نشر بشأنها فى وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية على حد سواء!
إن المتأمل حقا فى مثل هذه الأحداث سيجد أن ثمة علاقة وثيقة تربطها بحادث آخر تزامن مع باكورتها، ألا وهو تزايد الحملات الأمنية على منطقة الحدود الشرقية، فى محاولة واضحة لتضييق الخناق على المهربين عبر الحدود (المصرية/ الفلسطينية) وكبح جماحهم.
محمـــد محمود خاطـر يكتب: ماذا يحدث على أرض سيناء؟!
الجمعة، 29 يناير 2010 07:20 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة