أعلى برج المراقبة وعلى حدود رفح المصرية، المتاخمة لرفح الفلسطينية، كان الشهيد أحمد شعبان يقف فى مرقبه ينظر إلى خط الحدود وهو يتصافح ويتلاقى على الجانبين المصرى، والفلسطينى، فلا يوجد هناك ثم علامة فارقة بين الحدين، وإنما العلامات تأتى من أفكارنا وتصوراتنا كى تفى بأن هذا الحد مصرى وذاك فلسطينى.
أحمد شعبان صعيدى مصرى أصيل من إهناسيا ببنى سويف، من هناك حيث مرابض الأسد، الذين يمكنك أن تثق فى قدراتهم وتوكل إليهم مهمة من مثل مهمات أحمد شعبان، مهمة وطنية مقدسة، ورد بشأنها حديث شريف، حيث قال النبى (ص) {عينان لا تمسهما النار أبدا: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله) صحيح الترمذى للألبانى :1639}.
أحمد يتصل يوم الأحد، وقبل استشهاده مباشرة عبر التليفون بوالده ويقول يا أبوى أسألك الدعاء وسلامى إلى أمى وأخى محمود وخطيبتى وأننى سوف أحصل على إجازتى يوم الاثنين القادم"، ويضيف الوالد "قلت له يا أحمد خلى بالك من نفسك وحافظ على الصلاة وقلت له أنا جهزت الفلوس لشراء حجرة النوم والصالون وهنشتريها عندما تعود من الجيش" ولم أسمع إلا صوت ابنى يقول يا أبى مع السلامة.
هاهو قناص فلسطينى يستسهل هدفا، لا يجد أمامه سواه، إنه يصوب بندقية القنص خاصته، إلى أعلى، إلى برج المراقبة والحراسة، ويصوب طلقة واحدة، طلقة إلى هدفه الثمين، إلى أحمد شعبان الذى أصيب فى مقتل، واستشهد من فوره، لاحقا بزملائه من الأبطال الذين سبقوه إلى الشهادة.
لقد أعطى القناص الفلسطينى ظهره للأعداء واستهدف الأصدقاء.. إذن فلقد اختلط عليه الأمر، وعميت عليه المسارب، وتشوش حسه ولم يفقه أو يميز ما بين صديق وعدو.. وأورثنا الألم والإشفاق.
ولكنك- يا أحمد- لن تكون سوى فى جنة الخلد بإذن الله، مع المصطفين الأخيار، فاهنأ اليوم، وغدا إن شاء الله.
قال تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) صدق الله العظيم