د. حسام الدين بدر يكتب: يا رئيس الجمهورية هلا اهتممت برؤياى

الخميس، 28 يناير 2010 06:36 م
د. حسام الدين بدر يكتب: يا رئيس الجمهورية هلا اهتممت برؤياى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حالة التعليم فى العالم العربى لا تبعث بأمل فى مستقبل جيد للأجيال القادمة، نجد ذلك فى كثير من التقارير أهمها ما ورد فى تقرير حديث للأمم المتحدة حول التنمية فى العالم العربى Arab Human, Development Report. وبالطبع مصر بلدنا لن تشذ عن القاعدة، فقد كشف تقرير"تحديث التعليم الجامعى والعالى" الصادر عن المجلس القومى للتعليم والبحث العلمى والتكنولوجيا، عن غياب مفهوم الجامعة والدور التنموى لها فى المجتمع وتردى مستوى طلابها. ماذا يمكن أن يكون وراء هذه الحالة المزرية.

بعد يوم مضنى قمت خلاله بإلقاء محاضرات مكثفة فى مجال حوار الحضارات والأديان، وهو تخصص ابتعثتنى من أجله بلادى "مصر" إلى "ألمانيا" للحصول على الدكتوراه، انتابتنى سنة من النوم وأنا فى مكتبى بالجامعة، رأيت خلالها فيما يرى النائم رئيس الجمهورية فى مجلس مهيب أظنه كان مجتمعا مع وزراء الدولة وساستها، بينما كنت أختفى وراء ستارة سميكة تغطى نافذة مرتفعة وقد كنت متوجساً خيفة أن يرانى أحد منهم. كان رئيس الجمهورية مكفهر الوجه، ضائق الصد، ينفخ وكأن فى صدر هم أشبه بجمرات نار مستعرة، ثم صاح فى الجمع حوله خيانة. خيانة.. إنها ليست خيانة عادية لو تعلمون بل خيانة عظمى، أتعرفون ما الخيانة العظمى؟ إنها تعنى عدم الولاء للدولة والعمل ضد مصالحها. وتكون العقوبة شديدة قد تصل حتى الإعدام وهى جريمة يحاكم عليها أى شخص مهما كانت رتبته وأنتم أيها الوزراء لن تشذوا عن القاعدة. ثم أشار سيادة الرئيس بأصبعه تجاه وزير التعليم العالى قائلاً : "ألم تؤكد حرصك على مصلحة البلاد وولاءك لها، حتى لا تواجه بمثل هذا الاتهام الشنيع المريع وهو الخيانة، قبيل تقلدك لمهام وظيفتك من خلال تأدية اليمين الدستورى، أأذكرك به، إنه ينص على ما يلى: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن احترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه"، وهو قسم شديد المعنى ظاهراً وباطناً.

ورغم ذلك فهناك شواهد متعددة وأدلة ثبوتية حول حنثك يا وزير التعليم العالى فى قسمك من خلال التلاعب الفج والفاضح بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية الحكومية. تمنحهم بضع جنيهات تحت مسمى مكافأة الجودة ثم تمنعها عنهم فجأة، بالطبع تتحجج بالقول المألوف: "مفيش ميزانية". ألا تعلم أن التعليم خيار إستراتيجى، بدلا من الأموال المهدرة على مباريات كرة القدم وغير ذلك من أوجه الإسراف، أتقتير فيما ينفع وتبذير فى هرج ومرج.

الحفاظ بإخلاص على النظام الجمهورى للبلاد، يستطرد رئيس الجمهورية حديثه، مضحكة هذه العبارة إذا ما قارناها بواقع تصرفك أيها الوزير، فكيف يتسنى الحفاظ على هذا النظام حينما يهان أساتذة الجامعة والباحثون حينما يمنحون بضع جنيهات، أو ما يطلق عليها مرتبات تجاوزاً، لا تسمن ولا تغنى من جوع، ليصبح أستاذ الجامعة من مهدودى ــ وليس من محدودى ــ الدخل، ويلهث بشتى الطرق باحثا هنا وهناك عن لقيمات يضعها فى فم أسرته، وما بقى منها يضعها فى فمه، وهو يتحسر على الزمن الجميل الذى كان فيه أستاذ الجامعة ذا مقام كريم، يأكل هذه اللقيمات وفى نفسه غصة وشعور بالذل والهوان، ويتساءل كيف يغامر وزير التعليم العالى بالنظام الجمهورى ليحوله إلى فوضى وجمهرة لا تحمد عقباها ليجعل العملية التعليمية أشبه بمسرحية هزلية، مخرجها فاشل، ونصها باطل، ليصبح العناء المطول هو قدر كل أستاذ جامعى مخلصا لوحدة بلاده، يظل يعانى من الوحدة بين زملاء له استثمروا هذا الوضع المهين لمصالحهم الشخصية، حيث يصبح بعضهم "عبده مشتاق"، فيتكالب بحثاً عن منصب داخل الجامعة أو خارجها ليزداد عدد المشتاقين للمناصب الإدارية، أو يهمل بعضهم فى حق طلابه رافعاً شعار "على قد فلوسهم"، ويسلك طريقه إلى الجامعات الخاصة ليزداد فيها ذلا فوق ذله وهوانا فوق هوانه، أما ما تبقى من الأساتذة فيهرب إلى جامعات دول الخليج أو ما شابه ذلك، ولسان حاله يقول: "خسارة يا بلدى كيف هنت على أبنائك ليفعلوا فيك أفاعيل نكراء، كيف هنت على وزير التعليم العالى الذى أردى التعليم بالجامعة من علوه إلى أسفل سافلين، هذا إذا صح وصفه فى هذه الحالة بالتعليم".

يستمر الرئيس فى حديثه الشديد وهو ينظر إلى وزير التعليم العالى، وفى الوقت نفسه يردد فى حيرة العبارة الموجودة فى اليمين الدستورى: "وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه" أليس من مصلحة الشعب الارتقاء بالعملية التعليمية، حتى لا يسبقنا أعداء الوطن فنداس بالأقدام، ألم تقرأ أيها الوزير تقييم جامعة شنغهاى لأفضل‏ 500‏ جامعة على مستوى العالم واختفت جميع جامعاتنا المصرية تماما للمرة الثالثة من هذه التقييم‏..‏، لوح سيادة الرئيس بوريقة كانت فى يده، وأخذ يردد جملة منها: "حصلت سبع جامعات من إسرائيل على ترتيب متقدم فى هذا التقييم"‏! ما رأيك يا وزير التعليم العالى ـ تحدث الرئيس بصوت جهورى ـ أليس هذا تلاعبا بقضايا تمس بشكل مباشر البلاد، وتهدد النسيج الاجتماعى التاريخى لمصر، بدعوى متكررة وهى عدم وجود وفرة فى الميزانية؟.

حاول وزير التعليم العالى أن يجد مبرراً لما يحدث فى وزارته والتعليم الجامعى، قاطعه الرئيس قائلاً: "احترام الدستور والقانون" هى عبارة موجودة أيضا فى اليمين الدستورى، ألم يرد فى الدستور المصرى العبارة القائلة: "التطوير المستمر للحياة فى وطننا: عن إيمان بأن التحدى الحقيقى الذى تواجهه الأوطان هو تحقيق التقدم.. والتقدم لا يحدث تلقائياً أو بمجرد الوقوف عند إطلاق الشعارات، وإنما القوة الدافعة لهذا التقدم هى إطلاق جميع الإمكانيات والملكات الخلاقة والمبدعة"! كيف يستقيم ذلك مع سياستك ـ أيها الوزير الهمام ـ التى تهدم العملية التعليمية، وتقتل إبداع أساتذة الجامعة وتستذلهم... أليست هذه خيانة وعدم احترام الدستور، لماذا تدهورت الجامعات لدينا وتطورت لدى غيرنا ولدى أعداء البلاد؟

ماذا تظن أنى فاعل بك؟ أجبنى أيها الوزير!
ساد صمت رهيب بالقاعة، وأحس الوزراء بأن الرئيس سوف يقوم باتخاذ قرارات ستكون بمثابة ريح صرصر عاتية ستعصف بمقاعدهم ومناصبهم جميعا، وليس فقط بمقعد وزير التعليم العالى.

فى هذه اللحظة جال فى ذهنى أنه لزاماً على أن أخرج لأؤيد الرئيس، فتحركت الستارة التى كنت قابع خلفها، فصاح الجميع وهم يشيرون بأيديهم نحو الستارة قائلين بصوت واحد: "هناك خائن فى القاعة، وكأنهم أرادوا صرف الرئيس عن نيته فى إنقاذ الوطن"، وقام أحدهم ورأيته وكأنه يرتدى بزة عسكرية محاولاً إزاحة الستارة ليقوم بالقبض على، ففتحت النافذة وألقيت بنفسى من خلالها وارتطمت رأسى بعمود إنارة أمام المبنى، وهنا استيقظت من غفوتى.

بعد برهة ألحت على نفسى أن أهرع إلى رئيس الجمهورية أسأله أن يعبر رؤياى أو رؤيتى ويفسرها لى، لكن نصحنى عقلى أن ألزم الصمت فما يدرينى لعل وزير التعليم العالى ــ الحالى يعمل لصالح البلاد والعباد، واليوم خمر وغداً أمر.

* كلية اللغات والترجمة- جامعة الأزهر.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة