كلما أطلقت قناة (الحرة) الأمريكية حملة إعلانية جديدة لجذب انتباه الجمهور العربى عموماً والمصرى، خصوصاً تذكرت على الفور الجملة الشهيرة التى ينهى بها أحد الأطفال إعلان دار الأيتام، الذى يتكرر كثيراً فى شهر رمضان، يقول الطفل بصوت مؤثر "تعالوا زورونا" وتقول إعلانات الحرة بكلمات غير مسموعة "لماذا لا تشاهدونا".
غير أن الحملة الإعلانية الأخيرة، والتى ركزت على برنامجين فقط، هما (اليوم) و(العرب الأمريكيون) حملت ضمناً دليلاً جديداً على صعوبة أن تنجح هذه القناة فى تحقيق تواجد حقيقى فى الشارع العربى، فالإعلان الذى بثته محطة إذاعية خاصة يدعو الجمهور لمتابعة توك شو يومى يخرج من أربعة مدن عربية هى القاهرة ودبى وبيروت والقدس بجانب فريجينا الأمريكية، ويعتمد الإعلان على استماع الجمهور المستهدف لزوج وزوجة يفضلان الجلوس فى المنزل ودعوة الأصدقاء لمتعة المشاهدة اليومية للبرنامج الضخم إنتاجياً والذى يحظى بالفعل بمستوى فنى وتقنى عالٍ للغاية.
رغم ذلك لم ولن ينجح هذا الإعلان وعشرات غيره إلا فى لفت الانتباه لبعض برامج القناة قبل أن يعود المشاهد العربى المحب لهذا النوع من الفضائيات إلى (الجزيرة) و(العربية) و(بى بى سى)، فالعلاقة بين الحرة ومعظم الشعوب العربية دخلت مرحلة العناد، فمن جانب (الحرة) تصر على أنها ناجحة، الذين يصرون هم العاملون فيها والذين يستفيدون من 112 مليون دولار يتم إنفاقها سنوياً، التمويل من الكونجرس الأمريكى أى من الشعب، فلماذا يدفع الأمريكيون كل هذه الأموال لجذب انتباه العرب والتواصل معهم، بينما يمكن توفير هذه المبلغ لصرفه على الأضرار التى لحقت بمعظم الشعوب العربية بسبب السياسات الأمريكية المنحازة لإسرائيل فى المنطقة؟.
الواقع يقول إن أصحاب (الحرة) يريدون من الجمهور المستهدف أن يتحول إلى موظفين فى مصلحة حكومية يديرها رجل ظالم، يأخذ حقوقهم ويطلب فقط الواجبات، وعندما يحتفل بمناسبة ما ويقف ليخطب فيهم مؤكداً أن العلاقات بينه وبين الموظفين على ما يرام يظن أنهم سيصدقونه وينسون جرائمه، لكن حظ هذا الرجل أفضل كثيراً من القناة الأمريكية، فالموظف المغلوب على أمره مضطر للاستماع للخطاب والتصفيق له حتى لو أطلق اللعنات فى صمت، بينما لن يجبر أحد أى مشاهد على أن يذهب بالريموت كونترول إلى (الحرة) التى ظلم ممولها إعلاميين وصناع برامج أكفاء يعرفون جيداً أنهم يقدمون مضموناً إعلامياً مميزاً، لكن النافذة التى يطلون منها لا تمنحهم أى مصداقية، فليس معقولاً أن يتحمل الجمهور نشرة الأخبار الباردة، التى تعبر عن السياسة الأمريكية حتى يتمكن بعدها من متابعة برنامج مهم مثل (قريب جداً) و(اليوم)، وحتى لو اختلف العرب حول تمويل قنوات مثل (الجزيرة) و(العربية)، فإن تلك القنوات انطلقت من داخل الوطن العربى ولم تصل له عبر المحيط الأطلسي، حتى (بى بى سى) التى يشكو الجمهور أحياناً من حيادها المستفز، فإن حيادها له مصداقية أكدتها سنوات طويلة من العلاقة بين العرب وهيئة الإذاعة البريطانية، ولأن "العند يولد الكفر"، كما يقولون، فإن امتناع الجمهور العربى عن متابعة (الحرة) جعل أصحابها يرفضون أى انتقادات توجه لهم ويتعاملون مع المشروع بنظام القطعة، فالمهم أن يمرر الكونجرس التمويل السنوى ليضمن هؤلاء وظائفهم لعام جديد، وبدلاً من احترام عقل المشاهد والتفكير فى الوصول له بطريقة أفضل وتمثيل دور المحايد فى نقد السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، يخرج هؤلاء بأفكار من نوعية الإعلانات التى نوهت عنها فى بداية المقال، أو ردود فظة وعنيفة كتلك التى خرجت عن الإدارة الإعلامية للقناة ضد الإعلامى الأمريكى من أصل لبنانى "جيمس زغبى"، والذى اتهم القناة بأنها "مشروع فاشل لفكرة فاشلة" فجاء فى الرد أن "شقيق زغبى ظهر على القناة، فكيف يقول هو إنها غير مشاهدة من الجمهور"كما يرى كاتب الرد أن "الحرة" تفوقت على بى بى سى بعد ست سنوات على إطلاقها، وأضحت تصل إلى عدد المشاهدين الأعلى بين القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية الموجودة على الساحة الشرق أوسطية وفقاً لاستطلاعات أجريت أخيراً، دون أن يذكر بالطبع من أجرى هذه الاستطلاعات ومتى وعلى من من المشاهدين، فربما ذهبوا فقط لمحبى أمريكا فى الشرق الأوسط الذين سيتعرضون لنظام التفتيش الجديد الذى يظهرهم عرايا فى المطارات الأمريكية عندما يزورون أرض الأحلام.
صحيح أن نتائج موقع اليكسا الخاص بترتيب مواقع العالم ليست دقيقة، كما يؤكد معظم المختصون، لكنها تعبر عن مكانة كل موقع بين المواقع الأخرى على مستوى العالم، فبينما يحتل موقع (الجزيرة) الترتيب 901 على العالم، وموقع (العربية) الترتيب 1324 على العالم، نجح موقع (الحرة) فى التقدم مؤخراً إلى الترتيب 170 ألف على العالم حتى وقت إعداد هذا المقال، وهو ما يؤكد أن العزلة التى تعانيها القناة إلكترونية أيضاً وليست فضائية فقط، كل ما سبق بالمناسبة لا يطعن فى مهنية من يعملون بالقناة، وإن كنت أدرك أن معظمهم يعتبر نفسه فى "إعارة" على أن يعود سريعاً لقناة مصرية أو عربية يشاهدها الناس، بدلاً من أن يضطر إلى تقليد الأيتام فى إعلانات رمضان ويقول للمشاهدين "تعالوا شوفونا".
صحفى بمجلة صباح الخير
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة