يسرى فودة

لن أملأ بيانات إقرار الضريبة العقارية

الأربعاء، 27 يناير 2010 08:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يطلب السيد وزير المالية، يوسف بطرس غالى، من كل واحد فينا أن يعطل أعماله, ويركب تاكسى رايح وتاكسى راجع, ويقف فى طابور طويل ويمرمط نفسه كى يقدم له رقم تليفونه المحمول, وبقية بياناته الشخصية وهو جالس على مقعده الوثير. ليس هذا وحسب، بل إنه يهدد كل واحد فينا بالعقاب إذا لم يمتثل لهذا الطلب فى خلال فترة معلومة.

والله «اللى اختشوا ماتوا». لقد زرت ثلاثة أرباع العالم تقريباً وعشت فى أربع دول, ولم أر ولم أسمع بمثل هذا من قبل. فأولاً، حتى إذا افترضنا أن معه الحق فى فرض مثل هذه الضريبة (وهو ما ليس صحيحاً), فإن المنطق والدستور والقوانين والأعراف تقضى بأن يسعى هو وراء حاجته، لا أن تسعى «الضحية» بنفسها وراء السكين التى ستجتز من لحمها الحى.

وثانياً، حتى إذا افترضنا حسن النية فيه (وهو ما سنعصر من أجله ستين ليمونة)، لا يبذل السيد الوزير أى مجهود يذكر فى أن يشرح لنا «مزايا» دفع ضريبة إضافية من هذا النوع، ولا فى أن يقول لنا ماذا سنجنى بالمقابل، ولا فى أن يوضح لنا آلية نعرف من خلالها إلى أين ستتجه هذه الأموال، فهو يعرف تماماً أنه دون هذا الشرط لا تصبح الضريبة ضريبة وإنما «فِردة».

وثالثاً، حتى إذا افترضنا الذكاء الخارق فى صياغة مثل هذا الإقرار (و هو ما يثير الضحك)، فإن مثل هذا النظام لا يوفر الحد الأدنى من العدالة، وإنما سيمثل فقط تحدياً ورقياً جديداً من نوع ظريف سيكرس ظاهرة فريدة من نوعها لا توجد إلا فى مصر, حيث يستمتع الشعب باستغفال حكومة يرى فيها عدواً أكثر مما يرى فيها صديقاً كلما سنحت له فرصة.

إذا كان مواطن قد اشترى بيتاً من مدخرات دخله الذى اقتطعت منه الحكومة «ضريبة الدخل»، وإذا كان قد دفع بعد شرائه، هو وبائعه، «ضريبة التصرفات العقارية» ثم دفع «ضريبة رسوم التسجيل»، وإذا كان الذى بنى البيت أساساً قد دفع «ضريبة المبيعات» عن كل حجر وعن كل حبة رمل وعن كل حنفية وعن كل فيشة، وإذا كان الرجل سيقضى بقية العمر يدفع «ضريبة العوائد» عن بيت لا يجلب له أى دخل، وإذا كان أولاده بعد عمر طويل سيدفعون عن البيت نفسه الذى يسترهم «ضريبة التركات»، ما الذى تريده الحكومة بعد كل ذلك؟ ارحمونا الله يرحمكم.

سيقول لنا الوزير إن فى بريطانيا مثلاً ضريبة اسمها Council Tax «ضريبة المجلس المحلى» وأن مشروع ضريبته يعادلها. جميييييل جداً. ليس لدينا مانع بشرط أن يتم فوراً فصل جميع المحافظين وأن نقوم نحن، سكان كل محافظة، بانتخاب من نراه صالحاً لخدمتنا، وأن يتم تقسيم كل محافظة إلى أحياء إدارية معلومة نقوم نحن، سكان كل حى، بانتخاب مجلس إدارة محلى لكل منها, يتخذ كل ما يتعلق بالحى من قرارات وتشريعات، من بينها حجم الضريبة نفسها وفقاً لما يراه ممثلو الحى المنتخبون الذين يخضعون لمساءلة سكان الحى بشكل مباشر ولا سلطة للحكومة عليهم ولا دخل لوزير المالية بهم ولا تحويل لأموال الحى إلى ميزانية الدولة، ولأنهم، حتى وفقاً لنظام كهذا، لا يتخذون من الشخص، بل من العقار نفسه، مرجعاً للتقييم وفقاً لبيانات يتعبون هم فى جمعها فأرجوكم أن ترددوا معى: «لن أملأ بيانات إقرار الضريبة العقارية.. لن أملأ بيانات إقرار الضريبة العقارية.. لن أملأ بيانات إقرار الضريبة العقارية».









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة