نحن بلا أدنى شك مع التهدئة ومع التوازن ومع كل شىء يبقى العلاقة الطيبة بين أى دولتين عربيتين.. هذه حقيقة وليست تجميلا للمشاعر والعواطف والانفعالات.. فعلى الأقل نحن نتذكر ما كان يفعله المصريون وهم يشاهدون الجزائر فى كأس العالم منذ سنوات طويلة والآهات تخرج من نوافذ المنازل كأنها كورال يغنى للاعبى الجزائر.. أذن الحب موجود أصلا حتى لو كان من طرف واحد هو الطرف المصرى.. والغريب أن بعض المهووسين لا يريدون حتى الحب من طرف واحد ويرفضون من المواطن المصرى أن يذكر كلمة العروبة أما لأنهم لا يريدون عروبة مصر أو لأنهم لا يصدقون أن لمصر قلب عربى.. ولذلك جاء اندهاش المصريين من تهور طارق دياب وإقحام العلاقة بين مصر والعروبة فى تحليل مباراة كرة القدم بين مصر ونيجيريا..
ويبدو لنا من مجمل الأحداث ما يؤكد أن المصريين لم يفكروا يوما فى الكفر بالعروبة وإنما تأخذهم مواقف العرب الأخرى إلى منطقة التفكير فى مراجعة عروبتهم.. وها هم يجنحون إلى التهدئة قبل مباراة مصر والجزائر غدا، فى الدور قبل النهائى لكأس الأمم الأفريقية.. جاءت المبادرة من طرف واحد مثل الحب من طرف واحد فى وقت تسير فيه الصحف الجزائرية فى طريق واحد هو "جر رجل" مصر، لأن تواصل التفكير فى مراجعة عروبتها.
وفى الحقيقة نحن أمام اختبار صعب ما بين التوجه الرسمى للتهدئة والتوجه الشعبى للغضب.. مجرد الغضب.. لأن الجمهور العريض لا يملك أن يعبر عن نفسه إلا من خلال الناقل الرسمى له وهو وسائل الإعلام التى هى حددت توجهها بناقل رسمى آخر هو الدولة التى أعطت تعليمات مباشرة بالهدوء والتوازن والحياد .. ومن الطريف أو ربما الغريب أن تتسلم الصحف بيانا مكتوبا من مكتب وزير الإعلام يعبر عن هذه التعليمات ومن ضمن كلماته أن تحرص القنوات الفضائية على عدم الانحياز.. وطبعا غير منطقى ألا ننحاز لمنتخبنا.. فنحن نريد أن نفوز وأن تصل رسالتنا الفضائية التى لا نملك غيرها إلى لاعبينا وبعثتنا بأن يمنحونا النصر فى الملعب.. فليس المصريون طرفا محايدا فى مباراة يلعبها المنتخب المصرى.. هناك فرق بين الانحياز للفريق لكى يكسب وبين الانحياز للإثارة والتجاوز وتكرار الحرب الإعلامية.. نحن مع الأولى وضد الثانية.. ونحن نفضل الانتظار حتى نفوز ولا نقع فى نفس الخطأ.. فنحتفل بالفوز قبل أن تقع الهزيمة.. وبعد المباراة يمكن أن نقيم حوارا مع الصحافة الجزائرية التى تأخر وصول التعليمات إليها بالاعتدال..
بالتأكيد لسنا فى حالة حرب.. ولا يصح للعقلاء أن يعتبروها معركة حتى لو كانت المباراة مفرطة فى الحساسية.. فهى فى عرف الكون كله مباراة رياضية يسعد بها الفائز ويحزن لها المهزوم.. وكما قلت قبل مباريات تصفيات كأس العالم أن الخطورة ليست فى أن نخسر، بل هى فى كيفية استقبال الخسارة بعد أن وضعنا شعبا كاملا على أعلى نقطة فى سقف الأحلام.. كان خطأنا شنيعا عندما اقتنعنا بأننا فزنا قبل أن نلعب وأننا فقط ننتظر الإعلان الرسمى للفوز.. وهذه المرة استوعبنا الدرس وأجلنا أحاسيسنا تجاه المباراة وتظاهرنا بأنها حدث عابر فى لعبة رياضية لا يجب أن تتطور إلى لعبة خطرة رغم أن فى داخلنا بركان من اللهفة للفوز وطوفان من الرغبة فى استرداد كرامة رآها بعضنا ضاعت فى شوارع السودان مع أن الكرامة لا يجدر ذكرها فى مناسبات لا تليق بمقامها الرفيع وقضاياها الكبرى.. لو أن مباريات كرة القدم تفقد الأمم كرامتها لأصبحت أمريكا بجلالة قدرها وبعنفوانها وتحكمها فى العالم بلا كرامة.. ولأصبحت البرازيل والأرجنتين ودول أخرى أقل حجما أقوى دول العالم لأن كرامتها مصانة فى كرة القدم.. نحن استخدمنا كلمة الكرامة ليس على خلفية مباراة ولكن على خلفية سلوكيات وتجاوزات شملت الكثير من الإهانات والخلط بين التافه والجاد فى حوارنا المتبادل الذى تصدى له غوغائيون بالوكالة عن آخرين المفترض فيهم الاتزان والوعى.. نحن لا نخاف من مباراة وإلا أصبحنا تافهين ولكن نخاف من صدمة مشاعر البسطاء الذين لا يملكون وسيلة للمتعة ولا طريقة للانتماء إلا فى مباراة كرة ولا يجب أن نلعب بعواطفهم ولا بمتعتهم فنحولها إلى معاناة وقهر.. فالذى يخسر اليوم من المؤكد سوف يفوز غدا.. وأتمنى لو لعب منتخبنا بلا خوف وبإرادة النصر وبخبرة سيطرته على الكرة الأفريقية فى السنوات الأخيرة وأن يكون كل ذهن اللاعبين داخل الملعب فقط.. فالمدرجات مهما بلغ عنفها وصخبها قابلة للصمت والخروج من دائرة التأثير إذا استعان منتخب الساجدين بالله وبإمكاناته وقدراته وبدأ بالتسجيل لأن من يسبق فى هز الشباك سوف يهز تركيز المنافس.. وننتظر جميعا أن نسجد مع اللاعبين الساجدين بعد المباراة شكراً لله على الفوز بلا كراهية ولا شماتة ولا انتظار لمساعدة غير مشروعة لنظل كبارا بأحكام التاريخ والثقافة والرياضة ولنظل شقيقا كبيرا لبلد عزيز مثل الجزائر.. قولوا جميعا يارب النصر لمصر والدوام للثوابت العربية والعودة بإذن الله للحب المتبادل بين مصر والجزائر..
موضوعات متعلقة..
جمال العاصى يكتب.. هل تعيد أقدام لاعبى مصر والجزائر الحب الضائع بين الحكومتين والشعبين معاً
إبراهيم ربيع يكتب.. ما بين التهدئة الرسمية واللهفة الشعبية.. يارب النصر لمصر
الأربعاء، 27 يناير 2010 04:16 م